رغم أن المسؤولية الاجتماعية واجب وطني يتطلب من الجميع إعطاءه الحق من الاهتمام، إلا أن بعض المفاهيم حصرت دورها في إطار بيئة العمل على البنوك والشركات، وهذا ما يجعل دورها محدودا فيما تقدمه من معونات اجتماعية غير مباشرة، وبالمقابل فإنها جعلتها للفرد خيارا تطوعيا، بالرغم من أن المسؤولية الاجتماعية عكس ذلك، فهي تبدأ من الفرد أولا.
تحدثت في مقالي السابق عن الواجب كفرض اجتماعي، وما يترتب عليه في سلوك الفرد من السلبيات، ولكن مفهوم الواجب على النحو الإيجابي - في حديث اليوم -يقصد به الفرض الآتي من حس المسؤولية الذاتية التي تفرض على الفرد الإحساس بالمسؤولية، فهناك مسؤولية حقيقية تقع على عاتقه تجاه مجتمعه، ويجب أن يصل فيها إلى مستوى جيد من الوعي المعرفي والادراكي بأهمية تأثير سلوكه على الأحداث في محيطه كون الفرد محورا أساسيا وعضوا فاعلا، وهذه من الأمور المتمثلة في مفاهيم الحقوق والواجبات.
إذا وصل الفرد بوعيه إلى هذا المستوى سيدرك أن تقديم الواجب لا يقدم في قالب الصدقة الذي يؤديه حسب رغبته ومشيئته، فهو في هذه الحالة يستشعر النتائج المترتبة على سلوك ما، سواء أكان سلبيا أم إيجابيا، وهذه المسؤولية تجعل صاحبها يتحمل النتائج، فسنجد أن هذا الفرد المسؤول أكثر تأثيرا وتوازنا مع نفسه وبيئته، وكلما كان كذلك سيشعر بقدر من الثقة التي تحقق له مستويات متقدمة في تحقيق احتياجاته الخاصة، إضافة إلى تطوير ذاته ومهاراتها، فهو يصل إلى مرحلة الشخص الموثوق به والمعتمد عليه، الأمر الذي يأتي نتيجة طبيعية لتقييم المجتمع.
وبين الواجبات والضروريات يتوجب علينا التخلص من مفهوم أداء الواجب بوصفه خياراً أو عملاً تطوعياً، فإن الإدراك لمتطلبات الحياة الاجتماعية يتحقق في نموذج ثلاثي ساحر مكون من الاهتمام والفهم والمشاركة، لأن المسؤولية هنا ترتبط بجملة من السلوكيات والمفاهيم الجيدة التي تحقق واقعا تفاعليا وإيجابيا، إذ تصبح أساسا في الجوانب الشخصية لدى أفراد المجتمع، وبذلك ستنعكس بشكل مشرق على الجوانب القيمية والفكرية والثقافية العامة.