?عندما كنا صغارا، كانوا يخيفوننا في المدرسة بغرفة الفئران، وذلك في كل مرة كنا نحاول فيها أن نتجرأ على الخروج من ركود ونمطية الحصة الدراسية، أو لمجرد أننا لم نكن متوافقين مع الشكل والهيئة والعقلية التي فرضها علينا الأستاذ المبجل، الذي ـ على الرغم من عقله المتخم بالعلم ـ إلا أنه فقير جدا في عمله، بأسس التربية والتعامل مع الأطفال الذين يجب أن يعاملوا بطريقة تضع في الحسبان الموازنة بين التعليم والتربية من جهة، والتعامل مع نفسية في مرحلة تبدل وتكون للطموح من جهة أخرى، فكل شيء في خيال الطفل ممكن.
بطبيعة الحال، لم يعد هذا هو حال مدارسنا اليوم ـ على الأقل وفق ما وصلني وما أعرفه ـ فقد اكتشف التربويون لدينا أن الترهيب بوصفه أسلوب تربية ليس إلا عائقا حقيقيا لتشكل الإدراك السليم، وهو نمط من التوجيه الذي قد ينتج عنه فرد خانع، وعنصر لا يتمتع بالطموح والرغبة في البناء والانفراد بالتميز وتحقيق الإنجاز الفردي الذي بدوره يشكل لبنه أساسية من مجمل اللبنات التي تكون منجزات الوطن، وتحدد تقدمه بين الأمم.
أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي وزعوا علينا في الفصل كلمات السلام الوطني السعودي، والمعروفة اليوم بـسارعي، فقد كان حتى ذلك الوقت يعزف النشيط الوطني دون أن نردد معه أي كلمات، وقد كان بالنسبة لنا نحن المراهقين وكأنه اختبار مادة المحفوظات التي كنا دائما نتهرب منها، إلا أن الكلمات، ولأنها تربية وطنية نشأت طبيعية فقد تمكنت من أن تحفر في اللاوعي، حتى أصبحت تحرك فينا كل وعي، وفي كل مناسبة نشعر أن الوطن في حاجتنا.
التربية، التي هي عملية مستمرة تبدأ في البيت والمدرسة، ولا تنتهي في الملعب أو المكتب أو في المسجد، هي كذلك الوقود الذي من خلاله تتشكل قناعاتنا المختلفة الفردية والجماعية، واليوم ونحن في زمن الفضاء والعوالم الافتراضية، لابد لنا من وقفة حقيقية مع نمط التربية الذي نريد به أن ننشئ المجتمع، فهل نحن مع نمط غرفة الفئران؟ أم مع نمط سحر القلوب بنشيد لا يخطئه قلب متصالح مع ذاته، وعقل مفطوم على حب الوطن؟