عندما تسافر إلى وطن ما فعليك أن تتفهم أولا قوانين ذلك البلد وتحترمها، أو يمكنك التخلي عن فكرة السفر إليه، والذهاب إلى وطن آخر يليق بأفكارك ويرتقي بطموحاتك
يبدو أن مساء الأحد الماضي كان مخيبا بالنسبة لي. لم يكن مساء عاديا أبدا، كنت قد تابعت قصة أم مروان على برنامج الثامنة، ولم أستطع أن أتحمل كل الألم الذي افترش قلبي. أم مروان جاءت إلى الحياة دون إرادة منها، نتيجة علاقة غير شرعية، وعاشت حياة مليئة بالشتات والأسى، ما بين خطأ الأم وسجنها، وإضافة اسمها لرجل آخر من أجل أن تحصل على بطاقة هوية، لكن القليل من شاهد الحلقة القابعة في فرط الأسى والحزن، فقد كان معظم السعوديين مشتتون بين متابعة مباراة فريقي النصر وهجر، وبين الترقب لما يحدث للناشطة الشابة الصغيرة التي تطالب بالدخول إلى حدود السعودية بسيارتها، بعد خروجها من حدود الإمارات، رغم علمها أن القوانين في السعودية، ما تزال حتى هذه اللحظة ترفض قيادة أي امرأة للسيارة، وهذا قانون، والحياة كلها بشتى شرائعها مليئة بالقوانين التي يرى البعض فيها إجحافا، لكنها يمكن أن تكون في صالح المواطن، إذاً علينا أن نعترف أن ثمة قوانين واضحة ومعلومة، ولكن حب البعض للشهرة والرغبة في الظهور إلى جانب تجربتهم البدائية، جعلتهم بعيدين عن الواقع.
ظل ما يقرب من 90% من الشباب متابعين لخطوات الشابة، وتحديها في الدخول إلى حدود وطنها طالما أنها تحمل الجنسية، وطالما أنها تمتلك رخصة قيادة صالحة للاستخدام استخرجتها من دولة الإمارات، فهي تعتقد أنها بذلك يمكن لها أن تقود سيارتها، وهي تدرك تماما أنها لن تستطيع، ولكن البعض يريد أن يتحدى التشريعات التي يظن أنها لا تناسبه وربما حتى لا تناسب البعض، ونحن حينما نصعد الطائرة على متن أي خطوط غير سعودية، متوجهين إلى الوطن، يعلو في أرجاء الطائرة صوت المضيف وهو يقول بلطف: إن المملكة تمنع دخول الكحول، لذا على المسافرين التأكد من عدم حملهم أية مشروبات..، وهو ذاته الذي تسمعه وأنت متجه إلى دولة الكويت، إذاً لن أتمكن على سبيل المثال من الدخول إلى الكويت، ومعي عدد من قناني الكحول متوسمة السماح من الجمارك، لأن ما أقوم به يمثل مطلبي الشخصي!
الحقيقة أنني كنت قلقة على الفتاة الشابة، وكنت أطمئن على حالها من خلال ما تنشره من تغريدات عبر تويتر، إذ إن مجرد قيادة أخيك الشاب لسيارته وبمفرده لساعات طويلة في صحراء، يجعلك تشعر بالقلق عليه، فما بالك وأنت تجد فتاة صغيرة تقوم بذلك، إنه أمر مقلق للغاية، ولكني أعترف أيضاً أنني كنت قلقة على صعيد آخر، وذلك من أجل التفاعل الكبير من الشابات الصغيرات، وخشيتي أن يقوم بعضهن بالتمرد لأسباب واهية لا تستحق، أو أن يتحول مثل هذا النموذج إلى مثل أعلى، وهو أمر في غاية الخطورة، في المقابل كان من الأفضل لهؤلاء الشباب لو تابعوا قصة أم مروان واتعظوا من خطورة العلاقات غير الشرعية، وما يمكن أن يجنيه أي من الذين تعميهم حاجاتهم الجنسية عن عدم فهم طبيعة أحكام المجتمع الذي يعيشون فيه.
الشباب بحاجة إلى نموذج أكثر هدوءا وأكثر وعيا، وأحيانا لا ألوم الصغيرات وهن يجدن من تقاربهن في العمر تقود سيارتها بمفردها، وتخرج من دولة إلى أخرى بحرية كبيرة، وهو ما ترفضه الكثير من الأسر السعودية خشية على أبنائها، ولكن الرغبة والجموح هما ما يمكن لنا وصف الشباب الصغار به وجموحهم نحو الحرية ومباهج الحياة. لذا، لا بد من وجود أمثلة جميلة ومبهرة في الوقت ذاته، حتى يستطيع الشباب أن يجد ملاذه وأحلامه فيه، بعيدا عن مصيدة الرغبة في الظهور والشهرة، ولنا فيما قامت به الباكستانية ملالا أنموذجا فريدا، فقد كادت تدفع حياتها ثمنا لمطالبتها بأهمية التعليم للفتيات.
أذكر منذ أعوام كانت بعض الصحف العربية قد شنت حربا ضروسا ضد أحكام وقوانين محلية، بعد أن تم إصدار حكم على والد طالب وافد، اتهم مدير مدرسة بأنه حاول الاعتداء على ابنه، ووجدت المحكمة أن ما قام به ذلك الوافد يقع في جناية السب والقذف دون وجود إثبات يدل على صحة كلامه، فحكم عليه بالجلد والسجن، وبالرغم من الشتائم والتدخل غير المحسوب على قوانين دولة كالمملكة من مثقفي وصحفيي هذه الدولة العربية، إلا أن الكاتب الراحل الشهير أنيس منصور، كان مبدعا حينما دون مقالاً فيما يتعلق بهذا الأمر، قائلاً فيه: من يعترض على أحكام دولة، يعرف أن لها خصوصيتها وسيادتها، لا يسافر إليها. لقد أوجز الكاتب ما حدث بكلمات بسيطة ولكنها رادعة، طالما أنك تسافر إلى وطن ما -من أجل لقمة العيش أو السياحة- فعليك أن تتفهم أولاً قوانين ذلك البلد وتحترمها، أو يمكنك التخلي عن فكرة السفر إليه، والذهاب إلى وطن آخر يليق بأفكارك ويرتقي بطموحاتك.
والشابة الصغيرة اليافعة، لا أعرف لماذا ذكرتني بالفيلم الشهير عبود على الحدود، مع اختلاف الطريقة.. لكنهما يشتركان في اندفاع الشباب.