لم يعد اليمن سعيداً كما قيل عنه، فذاكرة حجاجه لا تحمل إلا مشاهد القتل والدماء، وأصوات الصراخ وإطلاق النار، بعد أن أحال الحوثيون سكون صنعاء الوادعة إلى جحيم لا يطاق، بحسب وصفهم.
لم يتبق بذاكرتنا سوى الحنين إلى الماضي الدفين والمستقبل الذي بات ملطخاً بالدماء، نترقب الخروج من المنزل ونحن نتلفت خوفا من الموت، هكذا عبر عدد من حجاج اليمن عن حالهم بعد أن احتلت جماعة الحوثي ديارهم، مشيرين إلى أن اليمن السعيد تحول إلى حزين، وتبدلت أشجاره إلى مشانق، وأرصفته إلى توابيت للجثث الملقاة، بحسب تعبير الحاج اليمني عمر السامي -من صنعاء- وهو يسرد معاناة الملايين، وقال ليت الأيام كلها حج لعلي أستقر في هذا المكان الآمن تحت أشعة الشمس المطمئنة، لا أريد منزلاً ولا مأكلاً ولا مشرباً، أبحث عن نومة هانئة، أحلم بالحرية، بالأمن، أين هي؟!.
وأضاف السامي والله لم أجد هذه الطمأنينة منذ أن دخل الحوثيون بلادنا، الآن فقط أشعر بها بين هذه الجموع الغفيرة في هذه المساحات الآمنة، مشيراً إلى ما يعانيه أطفاله من رعب متواصل بسبب إطلاق النار والقتل المستعر، وقال لا قيمة لأي شيء إذا فقد الأمن وكررها بألم.
التقط الحاج عمر أنفاسه وأضاف الحال سيئ جداً منذ عام 2011 وازداد سوءاً بعد دخول الحوثيين للعاصمة وما قاموا به من مداهمات للمنازل وتحويلهم الشوارع إلى ساحات حرب، حتى بتنا لا نعلم إلى أين نرحل من ديارنا. معتبراً أن من واجب كل حاج يمني أن يكثر من الدعاء في هذه الأيام لليمن بأن يصلح الله شأنها ويعيد إليها الأمن والأمان.
في زاوية أخرى، كان الحاج اليمني سليم علي، الذي جاء من قرية هادئة بقرب إب، بدأ حديثه وقال في قلبي جرح ما زال ينزف وهو مقتل شقيقي في الأحداث الأخيرة مع دخول الحوثيين، حين رحل من قريتنا متجهاً إلى العاصمة من أجل إكمال دراسته العلمية، وهو يحلم بأن يصبح طبيباً يداوي أوجاع الناس.
ويضيف علي بدأ دراسة الطب منذ سنوات، وفي إحدى رحلاته للعاصمة غافلته رصاصة مجرمة ونثرت دماءه التي أغرقت معطفه، مؤكداً أنهم أصبحوا لا يعرفون من القاتل وما السبب، فالموت يوزع بالمجان في كل مكان وصلته أقدام الحوثيين.
وبألم بالغ يشير علي إلى أن والدته أصبحت تمنعهم من مغادرة القرية بعد مقتل أخيه، إلا أنها سمحت له بالمغادرة للحج، وقال اطمأنت والدتي لأنني مغادر لهذه البلاد الآمنة، التي أتمنى من الله أن يحفظها، لافتاً إلى أنه ما زال يحمل الأمل في أن تعود اليمن سعيدة كما كانت، وكما يجب أن تكون، وقال لا نبحث عن مال ولا قرار، كل طموحنا أن نسير تحت وطن واحد يسوده الأمن والأمان.