النظام الحالي لديوان المراقبة العامة لا يشكل عائقاً أمام تطوير الرقابة الحكومية، وفيه مرونة كبيرة ويعطي صلاحيات واسعة جداً للديوان في التغيير والتطوير دون اللجوء إلى الإجراءات البيروقراطية الطويلة

يشتكي ديوان المراقبة العامة من تقادم نظامه الحالي، وعدم مواكبته للتطورات الحديثة في حقول الإدارة العامة والإدارة المالية، وللمستجدات في مهنة المحاسبة والمراجعة، حيث مضى على صدوره أكثر من (41) عاماً.
وعلى هذا الأساس، قام الديوان بإعداد مشروع نظام جديد، وحسب تصريحات المسؤولين في الإعلام، فإنه قد تم رفع المشروع للمقام السامي في عام 1419، حيث تمت دراسته في مجلس الشورى، وأحيل إلى اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري، ويتطلع الديوان لصدور هذا النظام الجديد في وقت قريب.. وهنا أتساءل: ما الإشكالية في نظام الديوان الحالي، وكيف لا يتواكب مع التطورات الحديثة للرقابة؟
في عام 1383، قامت وزارة المالية بتوجيه من مجلس الوزراء بالتعاقد مع (مؤسسة فورد الأميركية) لإعادة تنظيم الجهاز الإداري بالمملكة، وقد انتهت مؤسسة فورد من دراساتها، وكان من ضمن توصياتها: تطوير ديوان المراقبة العامة، وبناءً على ذلك فقد صدر نظام جديد للديوان، كما صدرت لائحة تنفيذية له.
ومن خلال مراجعة نظام الديوان الحالي، نجد أنه يتضمن مبادئ حديثة في مجال الرقابة الحكومية، ويعطي الديوان صلاحيات واسعة جداً في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، استطاع الديوان تطبيق رقابة الأداء في أعمال المراجعة التي يقوم بها، في حين عجزت دول عربية على تطبيق هذا النوع من الرقابة بسبب غياب التشريعات القانونية، بينما الديوان استطاع ذلك انطلاقاً من المادة (السابعة) من نظامه الحالي التي تنص على أن من اختصاصات الديوان: الرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها، وكذلك مراقبة كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة، ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها.
كما أن النظام الحالي للديوان، أتاح تبني معايير المراجعة المتعارف عليها، والتي تعتبر نواة التطوير في الرقابة الحكومية، والتي يمكن تحديثها بما يتناسب مع المستجدات والتطورات التي تشهدها مهنة المراجعة، ويمكن الاستفادة من الجمعيات والهيئات المهنية، وليس هذا وحسب، بل يستطيع الديوان من خلال نظامه الحالي تغيير منهجية الرقابة التقليدية والتحول إلى المراجعة المهنية.
ومما سبق، نلاحظ أن النظام الحالي لديوان المراقبة العامة لا يشكل عائقاً أمام تطوير الرقابة الحكومية، وفيه مرونة كبيرة ويعطي صلاحيات واسعة جداً للديوان في التغيير والتطوير دون اللجوء إلى الإجراءات البيروقراطية الطويلة، ناهيك عن الصلاحيات الرقابية القوية على الجهات الحكومية المشمولة بالرقابة، ويبقى السؤال: ما التطوير الذي ينشده الديوان في النظام الجديد؟ وما العوائق أو الإشكالات التي يسببها النظام الحالي؟
ربما نجد الإجابة في تصريحات ديوان المراقبة في الإعلام عن الصعوبات والمعوقات التي يواجها العمل الرقابي في المملكة، والمتعلقة بعدم تعاون الجهات الحكومية المشمولة بالرقابة في تقديم المعلومات والبيانات التي تطلبها أعمال المراجعة، ونقص الكوادر البشرية، وعدم استقرار الموجود منها، بالإضافة إلى المطالبة بالاستقلال المالي والإداري!.
والمعوقات السابقة في الحقيقة ليس سببها نظام الديوان الحالي، ولكن المنهجية التقليدية التي يعتمد عليها الديوان في الرقابة، وكما ذكرت آنفاً فإن النظام الحالي يتيح تغيير هذه المنهجية، حينها يصبح من الصعب حجب المعلومات عن الديوان، لأن الحجب سوف يضعف الثقة في التقارير المالية للجهة، ويعطي رأياً رقابياًّ متحفظاً أو سلبياً حول إيراداتها ومصروفاتها، ومدى التزامها بالأنظمة والتعليمات.
أما بالنسبة لنقص الكوادر البشرية والتسرب الوظيفي، فقد أمر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بـ(300) وظيفة رقابية للديوان، واستحداث وظائف نسائية جديدة، بالإضافة إلى نقل وظائف الرقابة المالية في هيئة الرقابة والتحقيق إلى الديوان.
أما فيما يتعلق بمطالبة الديوان بالاستقلال المالي والإداري، فهذا ليست له علاقة بالنظام، كما أن هذه المطالبة تتناقض مع ما أورده الديوان في الكتاب الصادر عنه بعنوان: مسيرة التطور والمنجزات، الذي جاء فيه ما نصه: ديوان المراقبة العامة جهاز مستقل مرجعه خادم الحرمين الشريفين ومن الأمور المهمة التي تضمنها الديوان هو تأكيد استقلاله، حيث نص نظامه على أن الديوان جهاز مستقل مرجعه رئيس مجلس الوزراء!
بالإضافة إلى ما سبق، فإن للديوان صلاحية التوظيف الذاتي المباشر في تخصصات المحاسبة والإحصاء والقانون، وكذلك استقطاب التخصصات الهندسية المختلفة، أما بالنسبة للاستقلال المالي فمن الطبيعي أن يتم إقرار موازنة الديوان ضمن الموازنة العامة للدولة، ولا يؤثر ذلك في استقلاله وإنما يعمل على إدخاله ضمن الإطار العام للسياسة العامة للدولة، ولا يتصور قيام الديوان بتوفير الموارد المالية بصورة مستقلة عن السلطات العامة في الدولة.
كما أن إعداد تقديرات الموازنة تتم من قبل الديوان كما وضعها، وللرئيس صلاحيات التعديل والنقل على مستوى البنود، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الديوان حظي بدعم لا محدود يتمثل في مشروع إنشاء المبنى الرئيس الذي تقدر تكلفته بأكثر من (180) مليون ريال، وكذلك مشاريع إنشائية لمباني فروع الديوان التي تقدر تكلفتها بـ(130) مليونا، ناهيك عن المشاريع الأخرى المتعلقة بتقنية المعلومات وتطوير النظام المحاسبي الحكومي.
أما إذا كان المقصود بالاستقلال، هو زيادة الحوافز المالية، فهناك بدل (20%) للمراقبين، ومكافآت مالية تصل إلى رواتب ثلاثة أشهر، كما يمكن أن يكون هناك خارج دوام مفتوح على مدار السنة وبنصف الراتب إذا أراد الديوان ذلك ناهيك عن الانتدابات.
هذا بالإضافة إلى وجود حصانة لرئيس الديوان، إذ يعامل معاملة الوزراء، وله مدة معينة لرئاسة الديوان لا تزيد على أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط، وفقاً لمعايير الإنجاز الذي يحققه الديوان في أداء مهامه الرقابية.
ولهذا أرى أن تتم إعادة النظر في تطوير نظام الديوان من خلال التركيز على الدور الحقيقي للرقابة الحكومية، الذي يجعل من ديوان المراقبة جهازاً رقابياً فعالاً يعتمد بشكل رئيسي على معايير المراجعة المهنية، فمن هنا يبدأ التطوير.