من مبررات فصل طالب مبتعث، أنه لم يبن علاقة جيدة مع موظفات الاستقبال، ولا يعامل النساء عامة بشكل جيد، وأنه في مرات عدة تأخر عن موعد الدوام الرسمي، وعندما يجلس تكون رجله طويلة تعيق الطريق!
لا تخلو بعض مشاكل المبتعثين الأكاديمية من بعض التحامل والتعسف في معالجتها لدى الجامعات التي يدرسون فيها، وذلك يأتي أحيانا لعدم استيعاب بعض الأكاديميين للفوارق الثقافية التي تفسر سلوكيات المبتعثين من مرجعية سلوكية سلبية ترتكز إلى انطباعات مسبقة، وهذا في الواقع يعتبر عنصر ضغط عليهم وعلى أدائهم العلمي، خاصة إذا كان الهدف المبتعث متفوقا فذلك يربكه ويؤثر على نفسيته، لأنه يشعر بأنه يفترض أن يحصل على أعلى المعدلات فيما تنتقص المساحات الانطباعية في ذهنية الأكاديمي من ذلك الأداء.
ذلك الواقع يجعلني أستعرض حالة فريدة في وقائعها لمبتعث متفوق، ورغم أنني لا أعرف بالضبط الضوابط الأكاديمية في الجامعة التي يدرس بها، ومدى المساحة المزاجية لمشرفيه الأكاديميين، إلا أن الحالة أضعها بين يدي المسؤولين عن بعثته والتعليم العالي لمتابعتها، وفك الاحتجاز الأكاديمي الذي يعيشه ذلك الطالب الذي يدرس الطب في نيوزيلندا وحصد طوال سنوات دراسته على درجات تعزز قدراته العلمية، غير أن مساره توقف في السنة الأخيرة بسبب تفاصيل تبدو لنا هامشية وسطحية، ولكن على التعليم العالي التقصّي عنها وإنهاء أزمته.
تخرج ذلك الطالب في الثانوية بمعدل 97.11% وكان متفوقا طوال سنوات الدراسة والتحق بجامعة أوكلاند في نيوزيلندا لدراسة الطب، واجتاز كل السنوات بنجاح وحصل خلالها على ثلاث مكافآت من الملحقية لتفوقه، ولم يبق على تحقق حلمه إلا سنة واحدة وبعدها يحصل على الشهادة ليبدأ مشواره كطبيب عندما رسب في إحدى المواد في السنة الأخيرة وهي مادة: نساء وولادة في الجزء العملي منها، ولكنه أعادها واجتاز الامتحان العملي والتحريري والدورة التدريبية ولكن مشرفته في النساء والولادة أصرت على إعادة السنة كاملة.
مبررات إصرار المشرفة أنها تعتقد أنه لا يصلح ليكون طبيبا بعد أن قطع كل هذا المشوار بسبب رؤيتها أن لديه مشكلة ومرضا عقليا وطالبت بفحص طبي من طبيب عام وطبيب نفسي، ورد كلاهما بأنه يعاني من اكتئاب بسيط وأموره بخير وعقله سليم وألا مرض عقلي به، وبعد أن أنهى فترة الإعادة للمادة ونجح بها، رفعت فيه في الفترة نفسها تقريرا تشكك في أهليته لممارسة الطب، وذلك لأنه تأخر عدة مرات مذكورة بالساعة والدقائق كما سجلت ذلك من تلفونها الخاص وغالبيتها تأخيرات لا يتعدى عشر دقائق، إحداها تأخره بسبب علمه بمرض والده وتنويمه في المستشفى، حيث كان يتحدث مع عائلته على التلفون، وإحداها كان في الكفتيريا ومشوار الطريق حتى وصل، وأخرى لم يأت إلى الدوام لمشكلة صحية، وأحضر تقريرا طبيا من الطوارئ يثبت ذلك.
وجاء في تقرير المشرفة عنه أنه لا يحترم المساحة الشخصية للشخص، وترى أن ذلك قد يكون وليدا لعاداته وثقافته في بلده، وبعض الأحيان نظراته الحادة وغروره لأنه في إحدى المرات عبر عن ضيقه بأدب حينما جلس لمدة ساعات في غرفة الولادة، وبعد ذلك رفضت المريضة وجوده وقت الولادة، واستخلصت بعد ذلك أنه يهتم بتعليمه أكثر من المرضى، وتعتقد أنه يصطنع تعاطفه مع المرضى، ووفقا لذلك طالبته بأن يعيد السنة مرة أخرى بالرغم من نجاحه في الامتحانات لكونه، حسب تعبيرها، يفتقد للمهنية ووسائل التواصل الجيدة.
ظل تقرير تلك المشرفة وانطباعاتها الأكاديمية عنه يلاحقه في كل الحلول التي يمكن أن تنهي تلك المعاناة، حتى عندما تم تغييرها بمشرف آخر ورغم يقينه بأنه ناجح ومؤهل للتخرج إلا أنه تراجع فيما بعد، لأن إدارة الجامعة توقفت عند تفاصيل تتعلق بسلوكياته على نحو أنه لم يبن علاقة جيدة مع موظفات الاستقبال، ويحسون أنه لا يعامل النساء عامة بشكل جيد، وكان لا يحدثهن إلا قليلا، ويرونه مغرورا بسبب ذلك، وأنه في مرات عدة تأخر عن موعد الدوام الرسمي، وفي بعض الأحيان عندما يجلس تكون رجله طويلة تعيق الطريق ولا يحركها، ويخرج للكوفي المجاور ليحضر قهوته وفطوره من ماكدونالدز من خارج العيادة، وغيرها من الأشياء غير الطبية.
تلك المعاناة انتهت إلى فصله، لأنه بناء على قواعد الجامعة لا يعيد الشخص السنة أكثر من مرتين، رغم أنه نجح في العملي والتحريري وجعلوه يعيد السنة بسبب مشاكل في التواصل والمهنية، ولكنهم هذا العام فصلوه بسبب عدم نجاحه في الامتحان العملي الذي يعتمد على مزاجية الأطباء، فما دور الملحقية ووزارة التعليم العالي تجاه هذا المبتعث؟ ذلك ما نأمل تداخلهم معه والوصول به إلى خيارات تفك هذا الاحتجاز الأكاديمي وضياع سنوات من الجهد والاغتراب، حتى لا تتكرر مثل تلك الوقائع لمبتعثين آخرين.