هوس السيلفي، وهي الصور التي يلتقطها الشخص لنفسه بكاميرا جواله، أصبح اليوم إدمانا لا يرحم كبيرا ولا صغيرا، فمن سيلفيات الرئيس الأميركي مع رئيسة وزراء الدنمارك، مرورا بـسيلفي الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، من على أعلى قمة برج خليفة، وانتهاء بملايين السيلفيات لمواطنين من حول العالم، أصبحنا اليوم نشاهد العالم يتحول عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى ألبوم من الصور التي تحكي الكثير عن الأفراد، وطريقة تعاطيهم مع الحياة والمغامرة.
في الماضي، كان الشخص يخجل ربما من أن يلتقط صورة لنفسه، وذلك لما قد يفسره البعض من أنه شخص وحيد، وكان يفضل أن يستعين بأحد المارة ليلتقط له صورة وهو يقف أمام مبنى تاريخي أو معلم سياحي، وذلك على اعتبار أن اللقطة الكاملة له أبلغ من التلقائية التي باتت السيلفي توثقها، والتي تمتزج فيها الفرحة أو المغامرة أو اللحظة التاريخية المهمة.
الهوس وصل بأحدهم أن ينبش قبر والدته ليصور معها صورة سيلفي، لكي يتذكر بها أمه باعتبارها آخر صورة له معها، وهي صورة لمن شاهدها لا يمكن أن ينظر لها إلا بكونها قمة في الشذوذ الهوسي، وحالة من المرض النفسي الذي يجب أن يجد له صاحبه علاجا سريعا.
تصوير الذات، وإن كان أمرا مقبولا، وفي أحيان يكون مسليا، يبقى مؤشرا إلى شيء من النرجسية التي في كل واحد منا، إلا أنها نرجسية أصبحت اليوم جزءا من طبيعة حياة الإنسان على وسائل التواصل الاجتماعي، فموقع مثل إنستجرام زاخر بمثل هذه الصور التي أصبحت تبني صداقات ومعارف لا نعرفهم ولم نلتق بهم.
الأمر لم يقتصر على الشباب والأجانب، بل وصل حتى للشخصيات الرسمية كما ذكرنا، والشخصيات الدينية، فكم من صورة شاهدناها لمشايخ أجلاء خلعوا الرسمية والهالة، وتحولوا إلى مراهقين، وهو أمر محمود جدا، فذلك جعل هؤلاء الذين كنا نتصور في يوم أنه لا يمكن أن نصل لهم أو نقترب منهم قريبين جدا منا، وربما يشبهوننا في نرجسيتنا الإنسانية.
التصوير الذي كان في يوم لدى البعض محرما، أصبح اليوم جزءا من حياتنا، وديوان تاريخنا الشخصي، بعد أن أصبحت الكلمات تحتمل التفاسير المغلوطة والاتهامات المتبادلة، إلا أن هذا السيلفي كما يقول البعض قد يتحول إلى الوسيلة التي يتم تقييم الإنسان بناء عليها، فلنحذر من السيلفي المبالغ فيه، ولنحرص على السيلفي الذي لا نتحرج من أن يراه أطفالنا.