هدف برامج الثرثرة بكافة أنواعها واختلاف أشكالها رسم البسمة وإشاعة جو من البهجة لدى المشاهد، وهو ما لم يتحقق، مع الأسف، في برامج الثرثرة العربية خصوصا السعودية
لك أن تتصور أن الكوميديانة الأميركية ألين دي جينيريس تحصل على 45 مليون دولار أميركي - أي ما يتجاوز 168 مليون ريال - سنوياً فقط لتظهر في ثرثرة يومية! هكذا تطل على جمهور التلفزيون لتمرح وتضحك، وفوق ذلك تحصل على المال الوفير!
منذ نشأة التلفزيون في الغرب وهو يعتبر جهاز الترفيه الأول للمجتمع، ومع تطور المجتمع وتطرّف النزعة الفردية نشأت الحاجة لوجود برامج ثرثرة نهارية، تملأ وقت البث بما يجذب الجمهور منخفض ومتوسط التعليم ويحقق إشباعه الاجتماعي تجاه التعرّف على تفاصيل وأسرار النجوم ومشاهير الأحداث، والأهم من ذلك تسطيح قضايا المجتمع، وتحويلها إلى سيرك يومي لا ينتهي من الإثارة والتشويق.
والبداية كانت مبكرة ببرامج الثرثرة المسائية، مثل عرض الليلة الذي بثت الحلقة الأولى منه 27 سبتمبر 1954، أي منذ أيام الأبيض والأسود، ولا يزال يبث يومياًّ حتى الآن، وتعاقب عليه ستة مقدمين فقط! إذ إن البرنامج ومع مرور الزمن يرتبط بقوة مع شخصية مقدمه الرئيسي، ولا يمكن فصل أسلوب البرنامج عن أسلوب مقدمه، الذي يضيف شيئاً من لمسته ورؤيته على كافة فقرات البرنامج، وهكذا تطورت فكرة برامج الثرثرة، وأضحت تنحو نحو أن تكون ذات إطار كوميدي شامل، فالمهم هو إسعاد المشاهد، ورسم البسمة على شفتيه قبل أن يأوي إلى فراشه، وهكذا ظهرت برامج أخرى كبرنامج العرض المتأخر مع ديفيد ليترمان على شبكة CBS وكونان أوبراين على TBS، وجيمي كامييل على ABC والنداء الآخير مع كارسون دالي على NBC، وغيرها من البرامج الشهيرة في بريطانيا والبرازيل وفرنسا وكندا، جميعها تشترك في كونها شبه يومية وتعتمد على التعليق الساخر على أحداث اليوم أو الأسبوع، مع بضعة مشاهد فكاهية، واستضافت نجوم المجتمع من فنانين ورياضيين ومشاهير في لقاءات ساخرة وخاطفة.
هذا الهوس ببرامج الثرثرة المسائية قاد إلى بروز صناعة متكاملة تطورت إلى ظهور برامج ثرثرة نهارية، تكاد تعتمد على خلطة تلفزيونية أخرى، وهي التركيز على القضايا الاجتماعية والعاطفية أكثر، كون أكثر جمهور برامج الثرثرة النهارية هو من النساء، لذا كان النجاح من حليف المقدمات من الإناث على عكس برامج الثرثرة المسائية التي تكاد ذكورية تماماً، وبالطبع دائماً ما يتبادر للذهن النجاح الأسطوري لأوبرا وينفري، التي تمكّنت من الاستمرار ببرنامجها لمدة 22 موسماً متواصلاً، وأوقفت برنامجها في عز نجاحه وانتشاره، وها هي إلين تكمل مسيرة مواطنتها وتدخل السنة الثانية عشرة لها، بل إن جمهورها يزداد شوقاً لعرض الحلقة رقم 2000 العام المقبل، كونها أضافت شيئاً جديداً على برامج الثرثرة النهارية؛ وهي المسحة الكوميدية، التي كانت حصراً على البرامج المسائية، بالطبع اعتماداً على خلفيتها الفنية ومهاراتها الكوميدية.
وفي الحقيقة فإن البعض يعتقد أن هذه البرامج من أسهل البرامج إعداداً وتنفيذا عطفاً على اعتمادها بشكل كبير على الاستضافات، ومن الدارج لدينا أن الحوارات هي أسهل البرامج تنفيذا، كونها لا تحتاج سوى مذيع وضيف وكاميرا! بينما الأمر مختلف هناك، وهو ما يفسر عدم نجاح كثير من أفكار برامج الثرثرة العربية سواء المسائية منها أو النهارية، كونها تستخف بمثل هذه المتطلبات، ولا تعمل على الصرف عليها بشكل سخي كما يجب، ناهيك عن مواكبتها للمستجدات بشكل يجعلها أسرع من وسائط الاتصال الاجتماعي نفسها، فمثلاً ظهرت قبل أسبوع تقريباً صورة لشابٍ وسيم يدعى أليكس في أحد المتاجر الشهيرة، وعلى الفور انتشرت صورة الشاب في تويتر، وزاد عدد متابعيه من 120 فردا إلى نصف مليون متابع خلال ساعات قليلة وتحّول إلى قصة متداولة على نطاق واسع، وعلى الفور تلقفه فريق إنتاج برنامج إلين وتمت دعوة الشاب أليكس من ولايته تكساس إلى كاليفورنيا حيث يصور البرنامج، فقط ليظهر في أقل من خمس دقائق خاطفة، ولكنها كانت كفيلة بجذب الملايين لمشاهدة الحلقة أثناء بثها، أو عبر قناتها على اليوتيوب، وهذه القصة تتكرر بشكل يومي في البرامج، مما يجعله متجدداً وغير مملٍّ للجمهور، فكل حلقة مختلفة تماماً بمحتواها عن الحلقة السابقة، بالإضافة إلى العمل على ابتكار فقرات موسمية تكون مرتبطة بأعياد متنوعة أو بأحداث لا بد من التفاعل معه، وكذلك العمل على التفاعل الحقيقي مع الجمهور، فبعض البرامج تعرض تغريدات طريفة للجمهور المشارك في التصوير، وبعضها يبحث عن الصور الغربية في حسابات فيس بوك جمهوره كما تفعل إلين في بعض الحلقات.
بالتأكيد إن هدف برامج الثرثرة بكافة أنواعها واختلاف أشكالها هو رسم البسمة وإشاعة جو من البهجة لدى المشاهد، وهو - للأسف - لم يتحقق في برامج الثرثرة العربية خصوصاً السعودية، التي أضحى أغلبها يدور في فلك المشاكل الاجتماعية وتقصير الجهات الحكومية، وهذا وإن كان مهماً إلا أن هذه ليست برامج ثرثرة كما يصنفها البعض، أو كما يفعل البعض خصوصاً في برامج الثرثرة المصرية، التي تحول بعضها الآخر إلى مسرح تهريجي، وإلقاء نكت وطرائف دون حسيب أو رقيب، وفي الحقيقة لا أعرف سبباً يمنع القنوات العربية الكبرى من التفكير في برامج مشابهة ولكن بقالب محلي، من المؤكد أنها سوف تنجح، كونها سوف تشبع احتياجاً لدى الجمهور، لكن السؤال هل سوف يثق مسؤولو القنوات العربية في مثل هذا النوع من البرامج أم لا؟ كون إنتاجها يكلف كثيراً جداً مقارنة بالبرامج الأخرى، لا أعتقد أنني أمتلك الجواب، ولكن الذي أعرفه أنه حتى ظهور برنامج عربي منافس سوف يستمر الجمهور بمشاهدة تلكم البرامج الأجنبية، وسوف تستمر تلك البرامج برسم الابتسامة على شفاه المشاهدين العرب.