في زحمة قضايا العرب، حدث تجاهل شبه تام لفلسطين، ومن أغرب ما عشناه هذه الأيام، أن قضية فلسطين وهي قضية حق وكرامة، أصبحت اليوم عند بعض العرب مجرد شأن إسرائيلي داخلي
مررنا على دار الحبيب فردنا
عن الدار قانون الأعادي وسورها
فقلت لنفسي ربما هي نعمة
فماذا ترى في القدس حين تزورها
ترى كل ما لا تستطيع احتماله
إذا ما بدت من جانب الدرب دورها
وما كل نفس حين تلقى حبيبها
تسر ولا كل الغياب يضيرها!
(الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي)
قبل أن أدخل إلى موضوع اليوم، أسعدتني في يوم السبت الماضي العناية الكريمة بالابتعاث الذي كان موضوعا لمقالي، وهو موقف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد الكريم في زيارته لأستراليا، حين أصدر أمره الكريم بضم الدارسين على حسابهم في أستراليا للمبتعثين على حساب الدولة، وهي خطوة رائعة من سموه الكريم، وربما نسعد بخبر مماثل مع صدور هذا المقال كما اعتدنا.
في ثورات العرب، التي انطلقت من تونس، كان موقف الرئيس السابق ابن علي موقفا رائعا عندما ننظر إلى موقف معظم دول الربيع العربي، كما كانت النتيجة أقل ضررا على كل صعيد وسهل. التحول إلى الحكم الديموقراطي بدون سقوط الكثير من الضحايا، فما السر ولماذا تأثرت البلاد العربية بثورة تونس ولم تتأثر بما حدث فيها؟
في ثورات العرب سبق السيف العذل فلنقرأ الأسباب والنتائج!
بعد موقف رئيس تونس السابق، تفاوتت ردود أفعال رؤساء آخرين، وتحركت شعوب تطالب بما طالبت به تونس، لكنها لم تصل إلى ما وصلت إليه، بل تباينت النتائج، ولو نظرنا إلى السياسة التي تحكم هذا الوطن، يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أقسام من وجهة نظر خاصة وهي: دول ارتبطت بحركة عبدالناصر وحلم العروبة وتبنت الاشتراكية وحالفت الروس وتصدت للحركات الإسلامية وحاربت الإسلام السياسي قبل عقود، وضيقت الخناق على شكليات التدين كاللحية ومواصفات الحجاب غالبا، مثل: مصر، وسورية، والعراق، وليبيا، ومصر؛ والقسم الثاني لدول استمرت بحكم ملكي أو أميري كدول الخليج ومملكة المغرب، وهذه الدول مالت للنظام الرأسمالي، وارتبطت مصالحها بالنفط غالبا؛ كما استقبلت الفارين من التعذيب والملاحقين في بعض دول الجوار، ومكنت لهم واستفادت منهم نسبيا، وقسم ثالث يمثل دولا مالت لنظام رئاسي أقرب للديموقراطية بعد تحول من الاشتراكية كتونس.
ولو تأملنا هذه التقسيمات، نلاحظ أمرا مهما أن دول المجموعة الأولى مع سياسة القمع ونظرية الغاية تبرر الوسيلة اعتمدت التجنيد الإجباري، فكل شاب تقريبا هو جندي حمل سلاحا في قطاع عسكري، أو حتى بدونه في عمل مدني لكنه وهذا الموضوع الذي ترافق مع قمع الحركات الدينية، أتاح خبرة عسكرية سهل معها موضوع المعارضة المسلحة عندما قامت الثورات، خاصة مع تغذية الدوافع الطائفية!
الغريب أن حرمان الشعوب العربية من حقوق بسيطة، كحرية التعبير دون خوف في بعض تلك الدول التي وصلت الكلمة فيها لكارثة قد تقود للسجن والتعذيب، كان سببا من أسباب قيام الثورات؛ وربما كانت سعادة من يحمل لافتة أو يسير في مظاهرة ليست أكثر من رغبة في التعبير تسبق رغبة التغيير.
المهم هنا أن المطالبة بالحقوق أخذت شكلا سلميا تحول إلى دموي، وظهرت لعنة المختلف الديني والطائفي، تقود حشود المقاومين، وتدخلت عناصر من أحزاب غير عربية، وليس تدخلها بجديد، فقد سبق لهذه العناصر أن اغتالت كتابا وسياسيين بأبشع الطرق في العقود الأخيرة وقبل أن نصل إلى ما وصلنا إليه!
بقيت قضية مهمة أسهمت في نجاح تونس النسبي لليوم، وهي الوعي الذي امتلكه الشعب، والذي قرأت غير مرة أنه بدأ بسياسات الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، إلا أن هذا لا يمنع أن نذكر أنه واجه نكسات في وقته لكنه قام بخطوات إيجابية قادت التغيير بسلاسة، مقارنة بدول قرب تونس كتجربة ليبيا التي ما زالت تخوض في صراعات مؤلمة.
أما مملكة المغرب، فقد تجاوبت بذكاء مع مطالب شعبها، واستمر نظام الحكم فيها، وكذلك بقيت دول الخليج بعيدة عن آثار زلزال الربيع أو طوفانه.
بقي أن نعود إلى فكرة الإسلام السياسي الذي فَرَّ من القمع، ولجأ قبل عقود إلى دول كدول الخليج. هذا النوع من التسييس للدين استقبل بحماسة دينية فطرية، ورغبة في العودة إلى عصور البطولة العربية التي تعزف عليها مناهجنا العربية المشتركة، التي سهلت الطريق لشعاراته لتصبح عقيدة سياسية تقرب الرئيس التركي إردوغان، وتبعد الحاكم العربي تماما، كما تسللت إيران إلى دول ترفع العروبة شعارا لم يحن رأسه إلا للعمائم السوداء!
وفي زحمة قضايا العرب، حدث تجاهل شبه تام لفلسطين، ومن أغرب ما عشناه هذه الأيام، أن قضية فلسطين وهي القضية التي كان يتبرك بها الخائن قبل العروبي، وكانت قضية حق وكرامة، أصبحت اليوم عند بعض العرب مجرد شأن إسرائيلي داخلي، وعند آخرين لا تعدو مجرد اتهام بالتصهين! فهل ما تزال فلسطين قضية عربية في قلوب وعقول العرب؟