الطقس في المملكة لا يسمح بممارسة الرياضة، وهناك قلة في وجود أماكن مخصصة للمشي، لذا لا بد من أندية رياضية تقدم مجانا من قبل الدولة لبعض أحياء المدن، كي تصبح الرياضة هدفا للجميع
لست من الذين يقدسون اليابان كشعب أو حتى كوطن منتج وفاعل، رغم كل ما فعله وقدّمه أحمد الشقيري في برنامجه الرمضاني الشهير خواطر، حيث استطاع الشقيري أن يجعل من اليابان كوكباً يختلف عن بقية الكواكب التي نعرفها أو نسمع بها، كما استطاع أن يحقق سبقا تاريخيا، فقد بات الملايين من المشاهدين العرب يحلمون بأن يكونوا يابانيين ولو لساعة واحدة، ولكني كنت عكس الجميع، فأنا لا أتصور أن أعيش في وطن، جل ما يفعله المواطن هو العمل والعمل فقط، دون تحفيز خلايا الدماغ بالتفكر والتحسر مثلاً على الحفريات والمطبات التي تملأ شوارع الحي، أو التأمل بالجسور التي تنهار بعد أسبوع واحد فقط من انتهاء بنائها، كما أني أرغب أن أعيش في ظل وجود أنظمة تأخذ نصف مرتبي، بحجة ساهر وساند، وأصيح وأهلل وأبكي فرحاً بوجود حافز، فهل لليابانيين مثل هذه الأفراح والأتراح، طبعاً لا، فلما إذاً الفرحة باليابان كوطن متقدم والعياذ بالله؟
أما لماذا خطرت اليابان على ذهني هذا الصباح؟ فقد التقيت صدفة زميلي عبدالله، الذي عاش في اليابان خمسة أعوام، وهو لا ينفك عن ذكر محاسن اليابان كلما صادفني في طريقه، حتى بدأت أشك أن عبدالله أصبح يابانياً أكثر من اليابانيين أنفسهم. وذات مرة حدثني عبدالله عن عادة جميلة جدا يقوم بها اليابانيون كل صباح، فبعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الإذاعة تبث يوميا في السادسة صباحا موسيقى لتوقظ المشاعر وتنشر التفاؤل في صباح مستمعيها، لكن اليابانيين حولوا هذه الموسيقى إلى فائدة أخرى غير الاستماع لها فقط، فأصبحوا يستيقظون صباحاً ويتجمع أهالي الحي في حديقة قريبة منهم، ليبدؤوا ممارسة الرياضة على صوت موسيقى السادسة صباحاً، كان زميلي يحدثني وهو يصف ذلك المشهد الصباحي الملفت، ليقول إن اليابانيين استطاعوا أن يستفيدوا من كل شيء، من الموسيقى ومن الوقت ومن الاجتماع المبكر بأهالي الحي في وقت واحد.
لا أنكر أنني سعدت بما وصفه لي من حسن استغلال الوقت، وبدا لي الأمر جميلاً وبهياً، لكنني لست من عشاق الرياضة، ولا أتخيل أنني أستيقظ مبكراً لأمارس أي نوع من الرياضة، رغم أهميتها وقدرتها الفائقة في تحسين المزاج اليومي للإنسان، وكان يلفت انتباهي على الدوام، حينما أصل مبكراً من رحلة طويلة إلى أي مدينة أوروبية، مشاهدة عدد من الرجال والنساء وهم يركضون في الشوارع صباحاً بحماسة لافتة، رغم برودة الطقس، وعلمت فيما بعد أنه من خلال ممارسة الرياضة في هذا الوقت المبكر، يترتب عليه تحسن مزاجهم طيلة اليوم، لذا سريعاً ما زال عجبي، لأنني كنت أستغرب من هذا النشاط الصباحي جداً، حتى أن الشمس لم تكن قد أشرقت بعد، وتجدهم يثبون بخطوات رشيقة وينتقلون من خطوة إلى أخرى كالفراشة.
ولكن لنأت إلى مجتمعنا، السعوديون كما أقول عنهم فلتة عصرهم، مختلفون جداً، رائعون أكثر من اللازم، وحساسون أكثر من الطبيعي، ولديهم قصص وحكايات عجيبة، ويعرفون أحياناً من أين تؤكل الكتف، فعلى سبيل المثال، صالات الرياضة سواء الخاصة بالنساء أو الرجال، تتطلب اشتراكاً مبالغا فيه معظم الأحيان، ولأن السعوديين لا يحبون الالتزام بطبيعتهم، فدفع مبلغ مقدم لأي صالة رياضية بالنسبة لهم يأت في المرتبة العاشرة من حيث الاهتمام، ولأن الطقس معظم الوقت حار جداً، فممارسة الرياضة في أي متنزه تبدو شبه مستحيلة في الصباح أو بعد الظهر، لذا استغل البعض المجمعات التجارية لممارسة رياضة المشي، فإن فكرت في الذهاب يوماً إلى أي مجمع للتسوق، وحدث أن وقفت أمام واجهة محل، فعليك أن تحذر، فثمة احتمال كبير جداً أن يمر عليك صاروخ سريع يكاد يصطدم بك، بحجة أنه لا يريد التأخر على ساحة الجري التي يركض بها، وهي لم تخصص في الأساس لممارسة الرياضة، وإنما المكان عبارة عن مجمع للتسوق التجاري، ورغم سعادتي بالتأكد من حسن استغلال السعوديين لمثل هذه الأماكن المكيفة والتي تبدأ في فتح أبوابها منذ الصباح، حيث يمكنك مشاهدة التنوع الكبير والمختلف من الفئات العمرية، وتسعد أيضاً برؤية عدد من المتقاعدين وهم يمارسون رياضة المشي برفقة زوجاتهم، لكن أين؟ في مجمع تجاري؟ ألا تجدوا أن الموضوع يحتاج إلى وقفة؟ أعرف أن الطقس في الخارج لا يسمح بممارسة أي نوع من الرياضة، وأن هناك قلة في وجود أماكن مخصصة للمشي في عدد من المدن، ولكن ألا توجد فكرة بديلة من الممكن أن تقدم إلى المواطن الذي لا يريد الالتزام بالصالات الرياضية، وفي الوقت ذاته لا يريد أن يدفع أموالاً تفوق طاقته، حتى يحرك جسده على جهاز التريدمل لنصف ساعة، لا بد أن يكون هناك حل؟ لا بد أن تكون هناك أندية رياضية تقدم مجاناً من قبل الدولة لبعض أحياء المدن، أو حتى عبر رسوم بسيطة جداً، كي تصبح الرياضة هدفاً للجميع.
وصباحكم ياباني.