لم يأت رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد الشريف بجديد وهو يعلن قبل أسابيع أن الفساد لا زال يخيم على الكثير من القطاعات، ولم تكن إدارته قد أصلحت الوضع ووأدت الفساد وهي تصدر تقريرا، أهم ما فيه أنه يوجد 1018 مشروعا ضحية الفساد المالي والإداري في عقود المشاريع الحكومية، غير حالات تعثر وتأخر وسوء تنفيذ لـ789 مشروعا منها. ورغم إعلانها المبهم إلا أن نزاهة أسعدتنا حينما تحلت ببعض شجاعة بإشارتها المباشرة إلى وزارات الداخلية والصحة والشؤون البلدية والقروية والتربية وأنها تعنى بفساد يبلغ 68% من حجم الفساد الحكومي.
لكن يبدو أن هيئتنا الموقرة ما زالت تستجدي الأسباب لمعاونتها على درء الفساد، وكأن آليتها وفعلها غير قادرين، فبعد تصريح مناشدة الوازع الديني من قبل رئيسها، ها هو يعود مجددا إلى مناشدة خطباء الجمعة أن يعينوه، وكأنه لا يملك من الأمر شيئا، وكأنه لا نظام جديرا بأن يكون حاضرا فوق الجميع، ومنه وفيه يكون درء الفساد ودحره.
لن ننكر على نزاهة طلب العون من المجتمع، لكن كان جديرا أن يكون عونها الأول بعد توفيق الله، هو النظام بتطبيقه إعلانا وعقابا وستجد النتيجة التي تريدها، لكن فليسمحوا لنا إن قلنا إن ما يتضمنه خطابها الدائم ليس إلا دغدغة للمشاعر، فما يريده المجتمع هو عمل وقرارات وليس استجداءات، فماذا فعلت الهيئة بالمفسدين؟ بل الأهم من ذلك كيف لوزارات خدمية كبرى أن ينهش فيها الفساد، وماذا أصدرت تجاه ذلك غير الإعلان عن أن هناك فسادا؟
ما نتمناه ألا يكون الأمر إنشائيا وخاصا بالتحقيق مع موظفي المراتب المتدنية ومن ثم إقفال المحضر، أو انتظار الإجابات والردود ومن ثم اللجوء إلى المجتمع لنطالبه بأن يكون سويا تماما بتفعيل الوازع الديني، وإن لم يتسن فعلى خطباء الجمع أن يقوموا بدورهم!
السؤال المطروح إلى معالي رئيس الهيئة وإدارته الموقرة: هل دور نزاهة كشف الفساد فقط؟ ومن ثم لا تعنيها كيفية إصلاحه أو تحويل المتسببين فيه إلى القضاء؟ تهمنا الإجابة، لأن كل ما عرفناه عبر هذه الهيئة هو الإعلان، لكنّ التنفيذ والعقاب والمتسببين وماهية المشاريع المتضررة وهوية المفسدين كلها في علم الغيب، لذلك أصبحنا نحسب أن هذه الهيئة هي جهة إخبارية عن الفساد، أكثر من كونها جهة قادرة على الإصلاح والتقويم، بل والعقاب!
الأكيد، وإن كان هذا سيغضب نزاهة وأعضاءها، أن المجتمع يريد أن يكون أكثر ثقة بهذه الهيئة، التي لم يكن نتاجها إلا أقل القليل! وكيف ستنجح هيئة منطلقة من رحم البيروقراطية، وكيف تضبط وتمنع المتنفذ قبل الضعيف؟ هل حلت إشكالات يعرفها الجميع ويؤمن أن الفساد نخرها من العظم إلى العظم؟
والآن بعد أن باتت الهيئة محل تساؤل ومطالبات انطلاقا من قدرتها على كشف الفساد فقط، وعدم استطاعتها منعه، نتمنى أن نؤسس لعمل جديد، عل وعسى، أن يرزقنا الله ما يحقق الذي نصبو إليه.. هيئة متكاملة حقوقيا وقضائيا تكون معنية مباشرة بالفساد، تكشفه، وتردعه، وتحكم عليه.