لا يستطيع سعادة أمين منطقة عسير ـ يحتفظ الموسى باسمه ـ أن ينكر أنني هاتفته قبل عامين ناصحا مؤتمنا، في جوف ليل بهيم، محذرا من هذا الامتهان المبرمج لكرامة الناس، ومن هذا الإعدام الممنهج للمكان تحت مسمى: التنمية.
أتذكر ـ يومها ـ أنني قلت له بوضوح عن الخطأ الفادح في إعدام 11 حديقة مكتملة، فأجابني مباشرة: وهل عمرك أخذت عائلتك إلى أي من هذه الحدائق؟ تأكدت حينها من صدق المثل الشعبي: ما في البيضة فرخ، قبل أن يختم مكالمته معي، وأقسم بالله، بالسؤال: من أنت؟
عرفت ـ ليلتها ـ أنني أمام أمين يعيش بعقل الحاكم بأمر الله، في زمن مختلف.
سكتنا بعدها طويلا احتراما وتقديرا لمشروع أمير منطقة سجل الأولويات التالية كلها: أول أمير منطقة يصل بماء البحر العذب إلى كل محافظة، وأول أمير منطقة يستكمل طرق النقل المزدوجة إلى ثماني محافظات، وأول أمير منطقة يستكمل خارطة العالي لكل محافظة. أول أمير منطقة يضع الماء والكهرباء على وسادة التاريخ متحديا الظروف الجغرافية القاسية.
ومع هذا شعرت بالأمس بالأسى والحزن؛ لأن المتحدث الرسمي للإمارة يحاول ترقيع غطرسة الأمين، حين أقفل الخط في وجه واحد من أشهر البرامج، لأن امتهان كرامة المواطن وصلت إلى حد غير مسبوق في تاريخ الوظيفة السعودية. شعرت بالغيرة المطلقة على وطني شعبا وقادة؛ لأن هذا المقطع الشهير في التناقض بين: الإمارة، والأمانة، تم تداوله ـ في أول ساعة وبالبرهان ـ أكثر من 153 ألف مرة.
هنا سأسجل جوهر اختلافي: أنا مختلف مع ثقافة الارتجال والرأي الواحد، تحت اسم: التنمية. أنا مؤمن أن بناء أي مدينة لم يكن مجرد فرجار وعلبة هندسة. أنا مؤمن أن تخطيط أي مدينة لا بد أن يأخذ في الحسبان مجموعة المؤثرات الثقافية والبيئية والطبوجرافية. أنا مؤمن أن أبها في أيقونة أي تخطيط لا بد أن تدرك أن هذه المدينة عاشت كل تاريخها على ثلاث: الجبل، والوادي والصخرة والشجرة، ولكننا أمام أمين مؤتمن على الإعدام لـطقوس الخرير، ولكن رجاء: لا تذبحوا مدينتنا بأمين يحول واديها التاريخي إلى شارع عام، ويدك جبالها، وينقل صخورها إلى كسارة الأسمنت.
أنا أسأل سمو وزير البلديات أن ينقذ هذه الأبهى، من هذا الإعدام الواضح المكشوف لأيقونتها ومتلازمات جمالها الأسطورية. أنا أسأله أمامكم جميعا، وللتاريخ، أن يحافظ على جغرافية هذه المدينة: أن يسألني عن كل حرف... بعد غد نكمل..