إنه يشبه قرض الجرذان في قبو مملوء بالجبن ولحم الخرفان أليس كذلك؟
إنه يشبه قرض الجرذان في قبو مملوء بالجبن ولحم الخرفان أليس كذلك؟
في وقت متقارب طلب مني قريب وغريب دينا بالعملة الصعبة وبرقم كبير وكأنني دويتشي بانك أو مؤسسة الراجحي. وأعظم الحرج أن تقول لا لرجل عزيز عليك؟ وأشد منه أن تقول نعم وتغرق أنت معه، وتدفع المال ثم تذهب نفسك عليه حسرات؟ وقصصي مع الدين والاستدانة لا تنتهي، فمن عراقي هارب إلى الإمارات اقترب مني إعجابا بكتاباتي فانتقل إعجابه إلى جيبي؟ وقال إن والده في ظل الحرب والضرب والتفجيرات تعرضت قدمه لخطر البتر ما لم أسعفه بالدولارات آلافا؟ شاورت زوجتي ـ رحمها الله ـ وكانت نعم الوزير قالت ادفع له قسما منه واعتبره على نية الهبة أو الصدقة والله يجزي المحسنين! لم يرجع المال وحين طلبته بعد سنة تحدث لي في جوابه عن فلسفة التاريخ؟ فعرفت أنه لص، وأظن أن ساق والده أصح من ساقي أنا الراكض الساعي الذاهب.
ومن ثان في الأردن كان نعم الصديق قال قد أفلست فأنجدني! قلت له كان عملك منتجا مربحا فما دهاك قال لا تسأل؟ وطلب آلاف الدولارات رجعنا إلى نفس القاعدة السابقة: ادفع بنية الصدقة والهبة، وحين تبدأ رحلة الدين وتعطي المال فانساه واعتبره مفقودا!! فإن رجع كان غير طبيعي، فالطبيعي أن لا يرجع والطبيعي أن يموت، وهناك مصالح ودوائر ومؤسسات تشتغل في هذه الأرض الجرز من أجل استرداد الأموال الميتة، والسر في هذا أن المال خضر حلو أخذه أشهى من العسل وترجيعه مثل شرب الحنظل؟ ومنه أفهم لماذا كانت أطول آية في القرآن هي آية التداين، وأفهم معنى مساءلة الشهيد على باب الجنة إن كان عليه دين؟ وفي آية التداين شرح مفصل عن الكتابة مهما كان المبلغ صغيرا أو كبيرا؛ فهو أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا، ومن يخالف هذه القاعدة دفع الثمن ريبة وقسطا وألما كما حدث مع قرضي بدون كتابة لصديق عزيز فلم نكتب؛ فلما تسلم راتبه المتأخر قال غريب وهل أخذت كل هذا المال؟ ثم اعترف بنصفه فرجعت إلى زوجتي الحكيمة لتحكم بيننا فقسمت المبلغ نصفين أنا ينالني الغبن لأنني لم أكتب وهو يدفع أكثر لأنه لم يسجل، والسر هنا قاعدة نفسية هي أن من يأخذ المال تميل نفسه إلى نسيان الواجب وترجيع المال؛ فالنفس فطرت على الشح، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وإن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، وفي القرآن أن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين فمن يعطي الدين لا ينسى دينه رقما وتاريخا، ومن يأخذه ينسى الرقم والتاريخ فوجب التسجيل.
وأفظع أنواع الدين هو ما كان بين الإخوة والقرابة، فتتمزق الصداقات وتشحن النفوس وتوغر، وتتوتر العلاقات بين الأخوة إلا أن يكون من الصالحين؛ فيتسامح من كيسه، وينسى حقه ويقول فليكن من طرفي أنا وعلى حسابي، وتقريبا لا يوجد أي عائلة بدون مشاكل مالية بين الإخوة من المطالبة بالحقوق، وأنا شخصيا استغنيت عن كل حقوقي في هذه الدائرة، ولو علمت علم اليقين أن لي حقا، فهذا أفضل وأبرك وأطهر.
والآن ماذا يفعل المرء حين يطلب منه آخر دينا برقم كبير، والرقم نسبي، فمن كان دخله الشهري مئة ألف لم يعجزه أن يقرض بآلاف قليلة فلا يثقل، ومن كان راتبه بالمئات أثقله ألف وأقل.
والجواب عند الألمان أن هناك بنكا فليستقرض فأنا لست بنكا؟ ولكن الأخ والقريب والغريب حين يطلبون الدين فهم تحديدا يريدون الهرب من البنك والفوائد فماذا تفعل؟.
والجواب ثلاثة: إذا أعطيت الدين فانساه، فهو في طريقه للموت، فإن عاد فهو ميت دبت فيه الحياة، ولذا إذا أقرضت فاعتبره هدية ليست للتعويض. وإذا طلب منك أحد الدين فتذكر قصة جحا فقد جاءه صديق يطلب الدين فقال قبِّل يدي. تعجب الصديق وقال ولماذا؟ قال لأنني سوف أقبل قدميك حين أطلب ديني.
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه.. ارجعوا واقرأوا آية التداين جيدا ومن أراد المزيد من التفصيل فليراسلني فقد كتبت عشرين قاعدة في مشاكل الدين والاستدانة والدِين.