رجال ألمع: عبدالله السلمي

'الأتاريك' وسيلة الإضاءة لأبطال المشاهد المسرحية.. والحناجر بديلا عن 'الميكروفون'

بنظرة تشي بالدهشة والحسرة على أيام خلت، وقف الثمانيني رافعا هامته لأقصى مدى، مستطلعا حافة أحد القصور التراثية بقرية رجال التاريخية في محافظة رجال ألمع.
هذه الحسرة ليست على واقع المكان، فما يحدث فيه من إعادة إعمار كان محل سعادة له، لكن الحسرة التي همس بها إلى مسن آخر إلى جواره، كانت على أيام الطفولة التي كانت في جنبات هذا المكان الفريد في تماسك عمرانه وتعاضده، حيث لا تكاد تجد أي فراغ بين الأبنية سوى الطريق الرئيس الذي كان يمر تحت قصور القرية الشاهقة، الذي أعيد ترميمه حاليا ضمن مشروع إعادة تأهيل القرية.
وأعاد برنامج بانوراما بقرية رُجال التراثية بألمع، الذي تم عرضه قبل أيام قليلة، ذكريات أول مسرح مدرسي لمدرسة حسان بن ثابت الابتدائية برجال ألمع، قبل ما يزيد على 45 سنة، إضافة إلى ساحة الحيفة التي كانت مكانا لتوافد طلبة العلم، ومكانا تجاريا للبيع والشراء.
وبين أحمد آل مسفر الألمعي أحد معلمي المدرسة القدماء بأنه كان من المشرفين على هذا العمل المسرحي الذي أقيم في إحدى ليالي عام 1390ــ 1391، أي قبل ما يقارب 45 عاما، وكان يشمل مسرحيات تجسد التشجيع على المهن الحرفية كمهنة النجارة والحياكة، إضافة إلى المونولوجات والأناشيد، التي كان يقوم بكتابتها بعض معلمي المدرسة، وكذلك المسابقات بين الطلاب ومشاركة الجمهور. وأكد أن هذا المسرح كان بجهود ذاتية من معلمي المدرسة، مشيرا إلى قدرة المعلمين في الكتابة، واستيعاب الطلاب في ذلك الوقت على الرغم من أن المدرسة لم تكن إلا ابتدائية فقط، ولم تكن هناك إضاءة للمسرح إلا الأتاريك، وأن أصوات الطلاب الممثلين كانت بدلا عن الإذاعة المدرسية لعدم وجودها.
أما المستثمر في القرية التراثية إبراهيم آل مسفر الألمعي فقال: كنت طالبا في الصف السادس ذلك الحين، وشاركت في فقرتين من فقرات ذلك المسرح، في مسرحية تجسد العمل الشريف كالمهن الحرفية، وكنت في مسابقة للطلاب التي تعتمد على بعض المقطوعات الموسيقية لبعض الفنانين، واستشعر الألمعي عزيمة ووسطية القائمين على التعليم في ذلك الوقت، وبين أن المدرسة كانت تسمى قديما المدرسة الأميرية، مشيرا إلى أن المسار الشرقي في القرية يبلغ طوله 1100 متر يتوسطه شلال، وممر مغطى بالخشب محاكاة لعمران القرية، إضافة إلى استثمار الكثير من الحصون لتكون متاحف، وبين أن برنامج البانوراما اشتمل على عروض شعبية في ساحة الحيفة مع عرض على الجدار الخارجي لأحد الحصون، وكذلك استعراض الطفلة ريتاج لحصن جدها.
بدوره بين الأديب علي الحسن الحفظي، أن عرض فعاليات بانوراما القرية في ساحة الحيفة بقرية
رُجال أعاد لهذا المكان شيئا من الوهج الذي كانت تتمتع به هذه القرية، وبأنه لم يكن نادما عندما كانت صور العروض الشعبية على جدار بيت جده المسمى حصن ألمع، والمكون من خمسة أدوار، وقال: الحصن كان بيت علم، يحتوي على مكتبة دينية وأدبية، تحوي الكثير من المخطوطات ككتاب البيان والتبيين للجاحظ، وجزء مخطوط من كتاب البخلاء، وأول تفسير للقرآن الكريم تمت كتابته باليد قبل 182 سنة، حيث تمت إجازته من المشايخ في مكة المكرمة وصنعاء وصاحبه هو زين العابدين بن محمد الحفظي، وهناك كتب للحديث والفقه والأدب والثقافة العامة، وهي حصيلة ما كان يتمتع بها آل الحفظي من علم ومنصب قضائي وفتوى، حيث كان بعضهم قضاة لآل عايض، والأدارسة، والدولة السعودية الأولى، والثانية والثالثة، فهناك 47 قاضيا عاشوا في فترات مختلفة في المنطقة، ومنهم الشيخ القاضي إبراهيم بن زين العابدين الحفظي، كان قاضيا في محافظة رجال ألمع، مبينا أن جدهم محمد بن حسن الحفظي، الذي كان قاضيا لمنطقة عسير، وأن ساحة الحيفة كانت فيها حركة تجارية نشطة.