على الرغم من أن نبات الحرمل موجود ومعروف على امتداد الوطن العربي لصفاته العلاجية إلا أن مفردة الحرمل لها وقع خاص عند أهل الرقة في سورية، ولذلك اختار المخرج السينمائي السوري الرقي مصطفى الراشد أن يكون الحرمل البري عنوان فيلمه الروائي القصير الأول، الذي يرتكز على بيئة الفرات وإنسانه في موضوعه الرئيس، وكذلك اختار عدد من مثقفي ومبدعي الرقة مؤخرا الحرمل عنوانا لمجلة نصف شهرية أصدروها في مغتربهم القسري، حيث استقروا في مدينة أورفة التركية ريثما تهدأ الأمور في وطنهم ويخرج الدواعش ويرحل الطاغية وينتهي القصف.. ويبدأ الإعمار من جديد، ولكن سؤالهم وسؤال كل سوري تهجّر مرغما هو: متى تكون العودة؟
مجلة الحرمل نصف شهرية، وهي ليست خبرية بقدر ما يبدو من موادها أنها تحليلية لواقع ومستقبل الثورة السورية مع إلقاء الضوء على معاناة المهجرين والمغتربين، كما أنها تهتم بالمواد الإبداعية من شعر وقصة، وتصدر بجهود ذاتية من قبل الموجودين في فريق التحرير المسؤول، الذين يعملون على توثيق مرحلة مهمة لكنها - وإن كانت مؤلمة - جزء من تاريخ سورية الحديث خلال فترة الثورة بكل مآسيها وتداعياتها ومرارتها.. ولعل المرارة هي القاسم المشترك بين الزمن الحالي لدى السوريين وبين نبات الحرمل.. ولذلك جاء اسم الحرمل.
يجمع الأصدقاء في هيئة التحرير المواد الكتابية والإبداعية عن طريق العلاقات الشخصية مع أصدقائهم وما أكثرهم من أبناء الرقة ومن المثقفين السوريين والكتاب العرب. ويتصدر الهمّ الثقافي ثم الشأن السياسي صفحات الحرمل التي تصدر بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريين، وأذكر تواصل الصديق المحامي الشاعر بسام البليبل معي ليطلب مني مقالا للعدد الأول، ففعلت، وربما لم أشعر بالحماس للكتابة كما كان حينها، وصدر العدد الأول، ثم الثاني.. والثالث على الطريق.
في الحرمل تتلاقى كل التيارات والأفكار فتجد الرقة بنقائها وسورية القديمة بتعدديتها وإثنياتها، وفي الحرمل تغيب الأيديولوجيا والمذهبية والقبلية والمناطقية ليحضر الوطن والانتماء الأكبر ضمن حالة فريدة تشكلت - سواء بوعي أو بلاوعي – لتمثل الوطن الحلم الذي يجب أن يكون ذات يوم، وترسم لوحة بجميع ألوان الطيف.. لوحة يرسمها أدباء من الداخل والخارج وأماكن اللجوء والاغتراب القسري أو الاختياري.
قد تكون المجلة فكرة طبقت ونجحت، غير أن الأمل أن تتوهج أكثر، ثم تستمر إلى وقت الخلاص وما بعد الخلاص، يوم تزول مرارة الزمن ويصبح الحرمل حلو المذاق لا يرتبط بالغثيان بل بالبهجة وحلاوة العيش وجمال المكان.