علي المطوع

فجرت السعودية ـ مطلع هذا العام ـ قنبلة دبلوماسية من العيار السياسي الثقيل، وهي تعتذر عن قبول عضويتها الموقتة في مجلس الأمن، في سابقة هي ا?ولى وقد تكون ا?خيرة لدولة ترفض شرف العضوية المزعومة في هذا المجلس.
إن هذا المجلس يجسد بمنهجه وآلياته وقراراته مقياسا نوعيا ومرجعيا لكل معاني التطرف والفوقية والعنصرية، مجلس يديره خمسة كبار، وحدهم من يملك الحق لنقض أي قرار ? يتواءم مع مصالحهم ومتطلباتهم، وهؤ?ء الكبار الخمس تعكس حركاتهم السياسية والدبلوماسية، صورةً مكبرة لصور الفتونة والبلطجة في ا?حياء وا?حراش، إ? أن البلطجة يظل لها هامش أخلاقي يضيق ويتسع حسب المزاج ا?نساني وتأثيراته، ولها كذلك ميثاق شرف أخلاقي بسيط يظل ضابطا ومرشدا لبعض السلوكيات والممارسات الخاطئة، إلا أن ما يحصل في هذا المجلس يعكس كل معاني التسلط والظلم لشعوب العالم أجمع.
أعجب من الغرب ساسة وشعوبا، كيف يستطيعون المواءمة بين مفاهيم الديموقراطية الجذابة المسوقة سياسيا، وبين ما يشهده العالم من تجاذبات وخروقات سياسية واقتصادية وإنسانية باسمها؟ إنها حالة من الفصام ا?نساني والعقلي تعيشه دول الشرق والغرب، فصام فرضته مفاهيم الديكتاتورية وحب السيطرة. إن حالة الفصام تلك تجعل مثقفي ومفكري الغرب يعيشون حالة من الازدواجية المقيتة والمضحكة، التي تجعلهم يسوقون لنظريات غريبة وعجيبة، ? تمت للواقع ا?نساني بأي صلة، فمفكر أميركي مثل فوكوياما في كتابه الشهير نهاية التاريخ وا?نسان ا?خير، يرى أن الديموقراطية الغربية هي الشكل ا?خير لكل أنظمة الحكم في العالم، وهي خيار ا?نسان ا?خير للعيش تحت مظلة حكم عادل ونزيه.
وهنا يتساءل ا?نسان أيا كانت هويته أو عرقه أو جنسه، ما الشواهد من التاريخ والواقع ا?نسانيين، التي تؤكد حقيقة هذا الطرح؟، وما مقاييس هؤ?ء المفكرين وهم يؤمنون ويسوقون أفكارا كهذه، ليست لها وجود أو شواهد على خارطة المجتمع ا?نساني عموما والمستضعفين خصوصا؟
إن قاتلا مثل بشار ا?سد تخلت عنه كل القيم ا?نسانية قبل أن يتخلى عنها، مازال يمارس سفك الدماء تحت غطاء قانوني ممثل في مجلس ا?من، شرعن له ذلك وحلله،
ومازال التاريخ يكتب في سورية فصو? من المآسي والجراحات، بإخراج أممي مثير مجسد في مجلس ا?من، الذي يتبادل خمسته الكبار، أدوار شرعنة القتل والدمار والخراب في شتى بقاع ا?رض.
إن الموقف السعودي ا?خير، ما هو إ? صحوة ضمير إنساني، وقرع لجرس تغيير منتظر، الذي وإن كان بعيدا، لكنه آت ولو بعد حين، ليؤكد ريادة بلدنا وثقلها على مستوى العالم، ويعيد تأكيد ديمومة فشل الكبار الخمس في تأكيد وتأصيل مفاهيم الديموقراطية.
نعم.. سجل التاريخ نجاحا سعوديا باهرا في نقاء الرسالة ووضوح الرؤية وسلامة القصد والمنهج، فيما الكبار الخمس، وبمعايير ا?خلاق والضمير والعدل والمساواة، لم ينجح أحد.