كان الساهرون قبل القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، أحد اثنين: عاشق يفكر بالمحبوبة، أو طالب علا يبحث عن المجد ويواصل الليل بالنهار من أجل مشروعه!
الآن تغيرت الأمور وأصبح الشعب كله سهران، ولا هو بالعاشق ولا المعشوق ولا طالب العلا! ومن يتجرأ ويفكر في النجاة من حمى السهر تتم محاصرته من كل جهة حتى يستسلم وينضم إلى سرب الساهرين! على العموم ليس لدي مشكلة مع مواصلة الناس الليل بالنهار خصوصاً في الإجازة، رغم ما في هذه المواصلة من مخالفة لما فطر الله الناس عليه، من كون الليل لباساً والنهار معاشاً، وكونها سببا للكثير من المشاكل الصحية والاجتماعية بالإضافة إلى ضعف الإنتاجية! المشكلة عندي أن هذه الظاهرة دليل على مشاكل أخرى أكبر، فعندما يعلل البعض مواصلته الليل بالنهار، بقوله: حاولت، ولكن لم أستطع النوم، فهذا دليل على ضعف واضح أمام رغبات النفس وعدم قدرة على كبح جماحها.
والسؤال: كيف لمثل هذه الشخصية المنهزمة أمام رغباتها أن تستطيع المشاركة في مشاريع كبرى تحتاج إلى الصبر وقوة التحمل؟ بل إن الأمر تطور إلى الاستغراب والتعجب عندما يتكلم شخص ما عن الجدية وبناء النفس، فالأسئلة التي أصبحت متداولة بين جموع من الشباب: لماذا أقرأ؟ لماذا أجتهد في دراستي؟ لماذا ألتحق بوظيفة متعبة؟ المشكلة الأخرى في قضية السهر، أن الوقت الذي ترسخ في أذهاننا أنه هو الحياة، وأنه من ذهب وأغلى من الذهب، وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وكنا نقرأ ونبحث عن وسائل اغتنام الوقت، وكيفية المحافظة على الوقت.
أصبح من السهولة تدميره وتضييعه بلا أي فائدة، فهذا السهر الطويل هو على لا شيء، ويتبعه نوم طويل لأهم الساعات التي يمكن الاستفادة منها، ولذلك تمضي الأعمار بلا بناء حقيقي، ولا منتج يستحق الفخر.
بقي أمر خطير ومهم وهو أن سهر الليل يؤدي إلى الإهمال بأوقات الصلاة، ففي صلاة الفجر ترى المساجد مزدحمة والعكس في صلاتي الظهر والعصر وقد تتبعهما المغرب، لست ملزماً بتغيير المجتمع، ولكنك أيضاً لست ملزماً بأن تكون إمعة تسير في ركابه، فالعباقرة لم يكونوا في يوم من الأيام تابعين!