أصبحت القدرة والإبداع والإمكانات في نظر البعض أمرا غير محمود، بل ونجد من يحارب كل ناجح وكل متمكن وكل قادر على العطاء واتخاذ القرار ومتابعته وتنفيذه، بحكم أن تعدد المناصب قد يؤدي إلى عدم فعالية التكليف بها.
أقول هذا الكلام وأنا أستمع إلى أصوات نشاز تتحدث عن أن فلانا أُعطي مناصب كثيرة هنا أو هناك، وأن هذه الأعباء قد تحرق هذا المسؤول الناجح المبادر القوي، رغبة منهم في توزيع المسؤوليات ومنحها لأعضاء خاملين وغير فاعلين، بل ضعفاء وبعضهم قليل الاستيعاب.
في كرة القدم حول العالم يعتبر تعدد المناصب شيئا طبيعيا جدا وموجودا في معظم الاتحادات القارية والدولية والفيفا يطبقه عمليا في كل لجانه الدائمة والمؤقتة، وذلك بحسب إمكانات كل عضو، فهناك عضو في لجنة واحدة في فيفا، وهناك عضو في تسع أو عشر لجان، بل إن بعضهم رئيس لجنة ونائب في أخرى وعضو في خمس أو ست لجان دائمة ورئيس لجنة مؤقتة في نفس الوقت.
إن مراجعة أسماء كروية قيادية عربية أمثال البحريني الشيخ سلمان آل خليفة أو الجزائري محمد روراوه أو الأردني الأمير علي بن الحسين، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنهم في خمس أو ست لجان في الفيفا ما بين رئيس لجنة ونائب رئيس وعضو، بالإضافة للمهام الخاصة به في اتحاده القاري أو اتحاده المحلي.
فمثلا الشيخ سلمان آل خليفة هو رئيس الاتحاد الآسيوي وعضو اللجنة المالية في فيفا (تخصصه أدب إنجليزي)، وعضو لجنة كأس العالم 2018، وأيضا عضو في لجنة دائمة وهي لجنة بطولة كأس العالم للكبار. أما الأمير علي بن الحسين فبالإضافة لعضويته في بلده وفي لجان الاتحاد القاري، فهو نائب رئيس لجنة كرة القدم في فيفا ورئيس لجنة المسؤولية الاجتماعية واللعب النظيف وعضو لجنة كأس العالم تحت 17 سنة، وأيضا عضو لجنة كأس العالم للكبار، أما السيد روراوه فبالإضافة لعضوياته في بلده والاتحاد الأفريقي والاتحاد العربي فهو في الفيفا نائب رئيس لجنة الاتحادات الوطنية، وعضو اللجنة القانونية، ورئيس لجنة بطولة كأس العالم للأندية.
كخبير في كرة القدم أرى أن تعدد العضوية عامل مهم وحيوي في فهم ظروف وصعوبات كل لجنة، ويستطيع العضو الموجود في لجان متعددة أن يسهم ويساعد في تخفيف الأعباء والتعقيدات وإيجاد الحلول في مناقشة موضوع ما، بحكم معرفته بأوضاع اللجان الآخرى التي هو عضو بها، وبالتالي يسهل عملية حل القضايا والمشكلات التي قد تحدث.
من المعيب الحديث عن تعدد المناصب في كرة القدم بجهل عميق، كما يحدث الآن، وأتمنى أن يكون ما طرحت في هذا المقال يوضح الرؤية لمن قد خفيت عليه، خصوصا وأن طرح مثل هذه الأمور لدينا ليس مرتبطا بالكفاءة والقدرة وإنما يتغلب الميول والتعصب على الطرح الرياضي وهو ما قد يسهم في عرقلة تطور كرة القدم، لأن الجهل بالشيء يؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.