لطالما أسرني الحس الوطني بجميع أشكاله، وتشدني كل ترنيمة فخر وانتماء للأرض العربية، قد تبعدنا المسافات؛ ولكن الدم والروح والهوية تبقى: عربية.. عربية!

عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ.. اسمحوا لي أن أصحبكم في رحلة داخل عالم من الكلمات هزت وجداني.. كلمات أجبرتني على أن أقدمها دون أي تغيير، وأترك لكم تقدير العمل الإبداعي لشبان عرب يعيشون حرقة الغربة وآلام الوطن.. بينما نجد من يعيش في كنف هذا الوطن الكبير فارضا على نفسه غربة قسرية إقصائية.. يعيش في عالمه الوردي أو غارقا في حياته ومشاكله اليومية لا يريد أن يرى أو يسمع أو يتكلم.. وكأن نيرانا تتقد في الجوار لن تصل إليه وتحرقه! تقتلني السلبية ويستفزني حقا من يصر على العيش في فقاعة يوتوبيا الوهم!
ولكن تحرك شباب واع يحيي دائما بعروقي الأمل، خاصة ممن يريد نشر التوعية.. نشر التعاون والمحبة بين أفراد أمة تنادي فلا يصغي لها.. تنزف فيحسب نزيفها بغزارة تدفق الدولار ورنين الذهب! إنه عمل لا يسعني إلا أن أقدم تحية محبة وإجلال وتقدير لكل من أسهم في إخراجه لنا. لطالما أسرني الحس الوطني بجميع أشكاله، وتشدني كل ترنيمة فخر وانتماء للأرض العربية، قد تبعدنا المسافات؛ ولكن الدم والروح والهوية تبقى.. عربية.. عربية!
يبدأ العمل من سورية.. شام لفظ الشام اهتز في خلدي..
سورية: ثلاث سنوات وأكثر من حرب مجنونة، أنانية، اللامنطقية، ثلاث سنوات دُمرت فيها النفوس والقلوب والعقول.. حرب اخترقت الأبواب خلسة فاستوطنت البيوت وأذلت أهلها. حرب بيع فيها الصغار والنساء في أسواق الرق والعبيد. حرب أبكت جميع أمهات الوطن، وأنهكت رجاله. حرب لم تعرف البداية. حرب تحلم.. بنهاية.
كما اهتزاز غصون الأرز في هدبي.. أنزلت حبك في آهي فشددها.. طربت آها، فكنت المجد في طربي.. شام، ما المجد؟ أنت المجد لم يغبِ.
ثم ينتقل إلى بغداد.. وفي العراق تحرير منذ أكثر من عشر سنوات، تحرير من الظلم والقمع والاستبداد، أتى باستبداد وقمع وظلم أكبر.. تحرير هجر فيه أهل البلد جميعا.. تحرير قسّم المقسم وجزأ المجزأ. تحرير تضمحل فيه الحضارات. تحرير يهمش جميع سكان العراق، بكافة اختلافاتهم الإثنية والدينية. تحرير استعبد البشر ودمر الحجر وقتل الإنسان والوطن!
بغداد والشعراء والصور.. ذهب الزمان وضوعه العطر.. يا ألف ليلة يا مُكملة الأعراق.. يغسل وجهك القمر.
ولا ينسى أن يتوقف عند لبنان.. لبيروت. أربعون عاما.. يعيش فيها لبنان وشعبه جميع أنواع الحروب، حرب أهلية.. ثانية طائفية، وأخرى مذهبية، واجتياحات عدوانية، وأثمان تخبطات إقليمية، وتصفيات وصفقات دولية. أربعون عاما أصبح فيها لبنان الصغير كبيراً جداً بجراحه.. بمآسيه اليومية، أربعون عاما من وجع، في أغلب أحيانه صامد وصامت!
لبيروت.. من قلبي سلام لبيروت.. وقبل للبحر والبيوت، لصخرة كأنها وجه بحار قديم.
ليعود بنا إلى أصل القضية وكل القضايا؛ فلسطين.. يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي.
فلسطين.. بوصلة القضايا، أكبرها وأقدمها، أكثر من ستين عاما على انتهاكات وصرخات لأجيال شاهدة على لامنطقية الأمس وهمجية اليوم وخوف الغد! تهجير، تنكيل، اغتصاب للحق قبل الأرض، أكثر من ستين عاما تلاشت فيها الجغرافيا لتُرسَم حدود أخرى، حدود تخترق القلوب والعقول، حدود ترفض الانصهار فتتشبث بالتاريخ وبالمستقبل.. فتصنع حاضراً مقاوماً بشعب من إرادة لوطن موجود وحي وباق.
عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تدور في أروقة المعابد.. تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد.
وأخيرا، يتحدث العمل إلى العالم العربي بأكمله؛ لعلنا نصغي: بلادي.. بلادي الحرب والآلام، بلادي الحب والأحلام، بلادي.. موطني.. موطني، الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك... في رباك، والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك، هل أراك.. هل أراك؟ سالما منعما وغانما مكرما، هل أراك في علاك تبلغ السماك.. موطني. موطني.
انتهى المقطع هنا ولكن كلمة أخيرة أحب أن أضيفها قبل أن أترككم:
اليوم استيقظ من بيننا من ينادي بمحاسبة هذا وذاك.. سؤالي: أين كنتم يا سادة؟! فجأة أصبحنا سباعا.. ولكن على بعضنا البعض! الحقيقة المؤلمة؛ لقد أعمتنا حملات غزو المشاعر وخطب التهييج.. فشاركنا وتحمسنا وتبرعنا بكل شيء دون أن نسأل لمرة واحدة إلى أين.. وإلى من؟! ولم نحرك خلية فكر حرّ واحدة، كنا منقادين بتأثير تسيير الوعي الجمعي.. والآن نَرمي إلى محرقة الاتهام كل آخر إلا نحن.. إلا نحن! يا لسخرية القدر.. وقت المحاسبة تظهر المخالب والأنياب.. بينما وقت الحدث كنا حمائم سلام بنظارات سوداء! سألت يوما: إلى متى يا أمتي؟ وإلى أن تأتينا الإجابة لنصغي لشباب ما زالوا متمسكين بهويتهم، لعلنا نستيقظ!