الحقيقة المرة التي لا يحب كثيرون ذكرها هي أن العرب هُزموا في عهد عبدالناصر واغتصبت أرضهم أكثر من ذي قبل، وهذا الرأي ليس تقليلاً من شأنه، ولكن الأمور يجب أن تسمّى بمسمياتها بعقلانية لا بعاطفية
عاشت مصر والعالم العربي- قبل أسبوع - ذكرى انتصار العرب على إسرائيل في الحرب التي شُنّت على الجبهتين المصرية والسورية في الساعة الثانية ظهراً يوم 6 أكتوبر عام 1973.
لقد فعل الرئيس المصري حينها محمد أنور السادات في تلك الحرب ما لم يفعله الذين قتلوه من بعد، إلا أن الأمر الثابت الذي أثبته التاريخ اليوم هو أن السادات وعد الشعب بالنصر بعد هزيمة 67 ووفى بذلك، فاقتصَّ لمصر ولزعيمها عبدالناصر وللأمة العربية من تبعات تلك الهزيمة التي خُففت بوصفها بـالنكسة!
مشكلة الرئيس الراحل أنور السادات، أو لنقل الميزة التي لم تخدمه، هي أنه كان متقدّماً جداً على الفكر العربي الشعبي السائد في عصره، إذ كان ذكياً بما يكفي ليحقق لمصر النصر واستعادة أرضها، وليمحو عن العرب ذلّ هزيمة 67 النكراء.
ورغم عِظم الفعل الذي قدمه الجيش المصري، لم يكن السادات يحاول أن يتباهى بالنصر الذي حققه جيشه، فقد قال في خطابه للشعب المصري والعربي بعد 10 أيام من بدء الحرب وتحقيق النصر: لستُ أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر، بل وأعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما يأتي يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلّم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل قصة الكفاح ومشاقّه، ومرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله.
وبالفعل ها نحن اليوم، أبناء الجيل الذي لم يع تلك الشعارات القومية الأخّاذة فيه، نتذكر حنكته ودهاءه السياسي، ونعترف له بذلك، سيما أن كل حلول السلام تلف وتدور حول العرض الذي قبله السادات حينها، وكان منكراً حينها، إلا أنه اليوم أمنية!
ومع احترامي الشديد لـالناصريين فإنهم (يجب أن لا يريدون) الاعتراف بتحقيق السادات لهذا النصر؛ ربما لأن سطوة الرمز قد أثرت في العقلية العربية حينها إلى الدرجة التي لا يتخيل فيها أحد أن شخصاً غير عبدالناصر انتصر وأعاد الأرض المصرية المحتلة، وهذا ما فعله السادات!
الحقيقة المرة التي لا يحب كثيرون من أبناء الجيل ذكرها هي أن العرب هُزموا في عهد عبدالناصر واغتصبت أرضهم أكثر من ذي قبل، وهذا الرأي ليس تقليلاً من شأن الرئيس جمال عبدالناصر، ولكن هذا لأن الأمور يجب أن تسمّى بمسمياتها بعقلانية لا بعاطفية!
لقد شتموا السادات ثم قتلوه، وها هو العالم اليوم يحاول العودة إلى ما كان دعا إليه السادات دون تردد أو أحلام، وأما الذين عدوا عبدالناصر زعيماً فإنهم لم يعدوا السادات زعيماً مثله، متناسين أنه رفيقه في مسيرة الحرب والسلام، ومتناسين أنه الذي أذاع البيان رقم 1 لثورة 23 يوليو بصوته الأجش في إذاعة مصر.
السادات شخص ذكي جداً، فقد أعاد لمصر والعالم العربي لذة النصر بعد الهزيمة، ولم يكتف بذلك بل حفظ لحلفاء مصر كرامتهم، كما فعل مع شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي الذي لم يجد أرضاً يموت فيها!
وقد أحسن الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي صنعاً بقراره رد الاعتبار لملك مصر السابق أحمد فؤاد الثاني بمنحه جواز سفر يحمل لقب ملك مصر السابق، في وقت قريب من الوقت الذي وضع فيه أكليلاً من الزهور على قبر الرئيس الراحل محمد أنور السادات بمناسبة نصر أكتوبر، وربما آن للعرب، وأولهم الناصريون، أن يحذوا الخطى نفسها برد الاعتبار لرئيس مصر السابق أنور السادات بعد أن فاتهم أنه ناصريّ أكثر منهم سواء بتاريخه العسكري مع عبدالناصر، أو بالحرب التي قرر أن يخوضها شبه منفرد وانتصر، لقد آن للجامعة العربية أن تقدم للسادات اعتذاراً بوضع أكليل من الزهور على قبره كما هي مبادئ العرف الدبلوماسي.
أما الذين لاموا السادات وشوهوا صورته بشهادات منفردة- ومنهم الأستاذ محمد حسنين هيكل - انطلاقاً من أنه كان يمكن أن يحقق أكثر مما حققه في أكتوبر، وأنه بالغ في تقديره للوضع الأميركي، فإن التاريخ بعد مرور 40 عاماً اليوم هو أكثر إنصافاً للسادات من معاصريه.