قبل بضعة أيام، تناولت عدة صحف عربية تقريرا نسب إلى صحيفة وورلد تريبيون الأميركية عدت فيه أغنية أنا بكره إسرائيل للمطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم، الشهير بـشعبولا، أحد العوامل الداعية للتعصب، والتي أسهمت فيما بعد في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
صحفيا تعاملت الصحف التي نشرت التقرير بشكل سطحي فج مع مضامينه، وطغى العنوان المثير والمتماهي مع أنماط التفكير السائدة على الذهنية والحياة العربية، على جوهره وعمقه. وكالعادة مر التقرير بهدوء في العالم العربي الذي بات طبيعيا فيه منذ عقود اعتلاء التافه الاستهلاكي سطح الاهتمامات، أن يمر مرور الكرام، دون أن يثير ضجة قد تحدثها مغنية أمية كأحلام مثلا وأشباهها ممن باتوا يستحوذون على العقل العربي الداخل في غيبوبة محزنة.
مما ورد في سياق التقريرالذي جاء تحت عنوان الحقيقة المحزنة حول الوطن العربي: على مدار العقد الماضي على الأقل، غاب الوطن العربي عن المشاركة في معظم المساهمات التكنولوجية أو الطبية أو في أي مجال علمي تقريبًا، ولا سيما في الأدب العالمي أو الفن أو التنمية الفكرية، ولكنه لم يصدر بجانب النفط سوى شيئين، هما الكراهية والعنف. وتابع التقرير أنَّ هذا هو حال العرب خلال السنوات الماضية في ظل تراجع الاهتمامات بالأدب مقابل تزايد نسبة الأمية، حيث إن 100 مليون شخص في العالم العربي أميون. ورصدت الصحيفة ما عدته تزايدًا لأعمال العنف والقتل الوحشي في معظم أنحاء الوطن العربي، مع تزايد خطاب الكراهية في المنطقة، ورأت أن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية داعش، ليس سوى نتاج لما آل إليه الوطن العربي خلال العقد الماضي.
بالأمس ومع إعلان فوز الروائي الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل في الآداب 2014، تطرق عدد من العرب في مواقع التواصل الاجتماعي لعدم معرفة العالم العربي بالكاتب، لافتين إلى مأزق ضآلة حجم الترجمة لدينا. فبرغم أن لغتنا العربية الجميلة تحتل المرتبة السادسة من حيث عدد الناطقين بها بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية، إلا أن الإحصاءات والدراسات تشير إلى تواضع حجم الترجمة في عالمنا العربي بالمقارنة مع مجتمعات أخرى، مستعيدين عدد الإشارات المحبطة، ولعل أشهرها أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي، هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان. وأن الحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10.000 كتاب، وهي نسبة تعادل ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.
لقد تراجعنا كثيرا على مستوى الإنتاج العلمي والفكري والفني، وبات يطغى كثير من السطحية والعته على كثير من مظاهرنا الثقافية والفنية، ناهيك عن انسداد الأفق في مساراته كافة، والله المستعان.