نجاح أو فشل خطط التنمية يقاس بتحويل أبناء الوطن إلى قوة محركة لخطط التنمية والنهوض بالمجتمع وتحويله إلى خلية متفاعلة منتجة في بيئة عملية نظيفة، الكل يجد فيها فرصته الكاملة. فهل أنتجت خطط التنمية هذا الهدف؟

تناول عدد من الكتاب مشكلة الخريجين الجامعيين من الكليات النظرية في الجامعات السعودية الذين يطالبون الدولة بالعمل على توظيفهم وتحويلهم من الضياع على قارعة الطريق والبطالة المهلكة إلى أعضاء فاعلين في مجتمعهم حيث أمضوا أحلى سنوات عمرهم في الدراسة والتحصيل ليتم التعامل معهم كمثل الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب مع إيماني التام أن للأمي حقوقا على الدولة ينبغي تقديمها له، ففي النهاية هو مواطن له حقوق وعليه واجبات.
لقد انقسم الكتاب في آرائهم إلى قسمين: قسم يساند الخريجين في أهمية أن تجد الدولة حلولاً ناجعة تتناسب مع مؤهلاتهم، وقسم آخر صب جام غضبه على استمرار الكليات النظرية في استقبال الطلبة الراغبين إكمال تعليمهم في العلوم الشرعية والاجتماعية والإدارية وغيرها من التخصصات وذلك من منطلق أن مخرجات هذه الكليات لا تتناسب وخطط التنمية وحاجة السوق السعودي وبهذا فهم يطالبون بإغلاق هذه الأقسام في الكليات النظرية.
السؤال الذي ينتصب كحد السيف، هل خريجو الكليات العلمية كالرياضيات والعلوم والهندسة والطب وكذلك خريجو الحاسب الآلي بمختلف فروعه وغير ذلك من التخصصات النظرية في الإدارة والاقتصاد والقانون كمخرجات للجامعات، هل يجدون الفرصة متاحة في القطاعين العام والخاص ليمارسوا ما تعلموه عبر وظائف مناسبة؟
إن المتابع الدقيق لكل هؤلاء، خريجي الكليات النظرية وخريجي الكليات العلمية يعانون من نفس المشكلة وهي (البطالة) لأن القطاع العام غير قادر على استيعابهم لعدم وجود وظائف شاغرة كما أن القطاع الخاص إذا ترك لرغباته فسوف يغلق الباب في وجه الجميع.
ومن قال إن خريجي الحاسب الآلي أو القانون أو الرياضيات أو العلوم أو الهندسة أو الطب أو الإدارة لا يعانون البطالة؟
وشخصياً أعرف مجموعة من خريجي الكليات العلمية لم يتم استيعابهم في القطاع العام. فالمشكلة ليست في مخرجات التعليم وإنما في هيكلة المشاريع والتخطيط الوزارية والأنظمة وعمليات التوظيف. إن مشكلة هؤلاء وهؤلاء تكبر سنة بعد أخرى ولا بد من دراسة هذه الظاهرة ووضع الحلول السريعة.
فالمبتعثون للدراسة في الخارج أكثر من مئة ألف مبتعث كيف سيتم التعامل معهم عند عودتهم مع ما سبقهم من دفعات من الخريجين من الداخل والخارج فهل وضعت لهم الحلول؟
أبناؤنا الخريجون يعانون محنة كبيرة فوزارة التربية والتعليم رفضت استيعابهم حتى خريجو الكليات التي كانت تابعة لها قبل إلحاقها بوزارة التعليم العالي وأعطتهم ظهرها.
حتى وصل الحال بأحد المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن يقول إن وزارته ليست جمعية خيرية.. أسلوب مغرق في الاستعلاء والفوقية هل سيقول لأبنائه وأبناء إخوته هذا القول ويطالبهم بالاتجاه إلى الشارع؟ أم سيحيلهم للجمعيات الخيرية؟
في تقديري أن الخريجين الجامعيين والحاصلين على الدبلومات في مختلف التخصصات يعانون من (جناية) سوء التخطيط على مستوى الدولة فكل وزارة تقذف بالخريجين على الأخرى. فوزارة التربية والتعليم تقذف بالخريجين على وزارة الخدمة المدينة ووزارة الخدمة المدنية تقول لا يوجد لدي من الوظائف إلا ما سيشغر منها في الوزارات الأخرى.
والوزارات تقول إن ما لديها من وظائف يتم التعامل معها ضمن دائرة التدوير بين موظفيها من ترقيات وتحوير لمنسوبيها. ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة المالية كأن لا شأن لهما بهذه المشكلة الخطيرة التي يعلم الجميع أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على المجتمع السعودي فمثلاً وزارة المالية لم تحدث إلا عددا قليلا من الوظائف لا يتناسب مع أعداد الخريجين الجامعيين وغير الجامعيين.
فإذا اجتاح الغضب المواطنين فلن يلوموا هذه الوزارة أو تلك وإنما اللوم قد يتجاوز إلى الدولة كلها.
والقيادة قد أعطت المسؤولية في رسم الخطط وهيكلة المشاريع وأنظمة العمل والتشغيل لوزارة الاقتصاد والتخطيط وغيرها من القطاعات التي تعنى بهذه المسائل، ولكن هذه القطاعات اكتفت بتدبيج الخطط والرسوم البيانية البراقة والأرقام ضمن خطط التنمية التي لم يجد العاطلون ضمن أرقامها ومشاريعها حلاً لهم.
فنجاح أو فشل خطط التنمية يقاس بتحويل أبناء الوطن إلى قوة محركة لخطط التنمية والنهوض بالمجتمع وتحويله إلى خلية متفاعلة تنتج كوادر قادرة على الإبداع والعمل في بيئة عملية نظيفة، الكل يجد فيها فرصته الكاملة فهل أنتجت خطط التنمية عبر خططها الخمسية المتعاقبة هذا الهدف؟
وخير دليل على ذلك:
لقد جاء في الاستراتيجية الوطنية للشباب في خطة التنمية التاسعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط (تشكل الاستراتيجية الوطنية للشباب رؤية مشتركة متفقا عليها بين جميع الشركاء المعنيين بتنمية الشباب والشابات. والتزام بدعم أولويات الشباب والشابات خلال فترة زمنية محددة كما أنها تشكل إطارا عاما لتنمية الشباب والشابات يتم من خلاله تحديد الأهداف والمصالح الوطنية وأولويات العمل الوطني من سياسات وبرامج تؤسس لنظرة شمولية متكاملة لتفعيل القدرات الكامنة لدى الشباب والشابات وتعكس احتياجاتهم وحقهم في المشاركة وأن يكون لهم دور أساسي وكلمة في صياغة حاضرهم قبل مستقبلهم).
والسؤال: أين هذه الاستراتيجية في واقعنا المعاش؟
والسؤال الآخر: هل للشباب والشابات دور أساسي وكلمة في صياغة حاضرهم قبل مستقبلهم؟ في تقديري أن هناك فشلاً وأن هناك مشكلة أو مشكلات لا بد من تحديدها والعمل على وضع الحلول وتنفيذها دون إبطاء لأن التأخير في ذلك يعاظم المشاكل ويجعل من الحلول شبه مستحيلة والوطن والمجتمع في هذه الحالة هو الخاسر.. وهنا لا أحد منا في منأى من تبعاتها السلبية على المجتمع السعودي بأسره.
والسؤال المقلق.. هل أحد من أبناء هذا المجتمع الطيب كان يتوقع أن يرى شريحة من الخريجين الجامعيين بعد أن ضاقت بهم السبل يتظاهرون أمام مبنى وزارة التربية والتعليم مطالبين بحقوقهم والوزارة تقول لهم اذهبوا حيث شئتم فلا حل لكم عندي.
بقدر انزعاجي أن تصل الأمور بشبابنا أن يقفوا في حرارة الشمس اللاهبة متجمهرين يطالبون بتوظيفهم وهم لا يمثلون إلا نسبة قليلة جداً من العاطلين المنتظرين الذين ما زال يحدوهم الأمل بإنقاذهم من آفة وشرور البطالة..
ترى ماذا يحدث لو تمكن اليأس من نفوسهم؟
علينا جميعاً التنبه للأمر فالوقت لم يعد في صالح أحد والعالم أصبح قرية صغيرة فالذي لا يقال إلا بين الأبواب المغلقة أصبح شائعا.. والذي لا يمكن أن يقال حتى في الخيال أصبح حديث المجالس وحديث السموات التي تمطرنا بالفضائيات والشبكات العنكبوتية للمعلومات هي في متناول الصغير والكبير والمتعلم وشبه المتعلم وحتى الأمي.
فالمسؤولية الوطنية تتطلب المصداقية فالذي لا يقول الحقيقة شيطان أخرس لا يريد خيراً لهذا الوطن الطيب.
فالحذر من المدلسين والأفاقين والكذابين (كل شيء تمام يا فندم) الذين يعيشون في بروج عاجية يكنزون كل شيء ويطبقون المثل القائل أنا ومن بعدي الطوفان.
أسأل الله أن يحمي بلادنا وقادتنا من طوفان هؤلاء الذين استغرقوا فيما ينفعهم ويضر غيرهم على امتداد ساحة الوطن.