المبيت خارج منى يحتاج إلى 'تصور' وإلى 'تحقيق'؛ فالزمان لا كالزمان، والأعداد لا كالأعداد، الأمر الذي حدا ببعض الفقهاء المعاصرين إلى تجويز المبيت في الامتداد الجغرافي لمنى

يكثر كلام حجاج بيت الله الحرام -تقبل الله منهم- هذه الأيام عن حكم المبيت بمشعر منى، وحكم المبيت في امتداد منى، أو ما اصطلحوا على تسميته بـمنى الجديدة. وبنفس المستوى من الكثرة تتزايد اجتهادات المفتين في تصدير فتاواهم عن الحكمين السابقين؛ والناتج في أغلبه تشتت ضيوف الرحمن بين هذا وذاك.
موضوع المبيت بمنى تناوله الفقهاء السابقون -رحمهم الله- بتفصيلات عدة، وخلاصة كلامهم أن الحكم فيه يتردد بين قولين؛ القول الأول: الوجوب، وعلى هذا جرى غالب فقهاء الأمة، أخذا بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفعل الأئمة من بعده، ومنهم سيدنا عمر -رضي الله عنه- الذي منع المبيت وراء العقبة؛ ورخصوا في ترك هذا الواجب لأصحاب الأعذار والمهام؛ عملا برخصته -صلى الله عليه وسلم-، وأكدوا بأن على تارك هذا الواجب بدون عذر، جبر الخلل بالفدية.. القول الثاني: السنية -الاستحباب-، وقال بهذا الإمام أبوحنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، ونقله الإمام النووي من الشافعية -المجموع شرح المهذب، ج:8، ص: 245-، مستدلين على ذلك بعدم أمره -صلى الله عليه وسلم- بالمبيت، وبقول سيدنا ابن عباس، رضي الله عنهما: إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت، وبعض الفقهاء من الشافعية والحنابلة يجبرون التقصير عن هذه السنة بالصدقة؛ ذكر الحافظ ابن قدامة أحد أبرز أئمة المذهب الحنبلي في كتاب (الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل)، الذي جمع فيه جل الروايات عن الإمام أحمد، مع الدليل والمأخذ -ج:2، ص: 448- أن الإمام أحمد قال: يطعم شيئاً تمراً أو نحوه، وخففه، وهذا يدل على أنه أي شيء تصدق به أجزأه. وعنه في ليلة مد، وفي ليلتين مدان. وعنه: في ليلة درهم، وفي ليلتين درهمان. وعنه: في ليلة نصف درهم، فأما الليلة الثالثة، فلا شيء في تركها؛ لأنها لا تجب إلا على من أدركه الليل بها. فإن تركها في هذه الحال مع الليلتين الأوليين، فعليه في الثلاث دم...
أما موضوع المبيت خارج منى، أو ما نقلت تسميته عن بعض الحجاج -المنطقة التي تقع ما بين نهاية مزدلفة وجسر الملك فيصل- فالحكم هنا يحتاج كما يقول الأصوليون إلى (تصور) وإلى (تحقيق)؛ فالزمان لا كالزمان، والأعداد لا كالأعداد، الأمر الذي حدا ببعض الفقهاء المعاصرين إلى تجويز المبيت في الامتداد الجغرافي لمنى، وخصوصا إلى الداخل من مكة، وقالوا بجواز مد مشعر منى (حكماً) إلى أطرافه؛ وسمحوا لمن لم يجد مكاناً يبيت فيه في منى أن يبيت خارجه، وهو الأمر الذي يتفق مع المقاصد العامة للإسلام في التيسير ونفي الحرج.. {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.. {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. ومن أبرز من ذكر هذا القول الميسر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- إذ ثبت عنه قوله: من لم يجد مكانا في منى فله أن ينزل خارجها في مزدلفة والعزيزية أو غيرهما.. إلا وادي محسر فإنه لا ينبغي النزول فيه.. وختاماً: طوبى ثم طوبى للميسرين، وكتب الله الجميع في المقبولين.