أن يكون المذيع وسيما، فذلك أمرٌ حسنٌ، من شأنه أن يجذب له المشاهدين، ويجعله ضمن قائمة 'المفضلين'! لكن هذه الوسامة، قد توقع صاحبها في فخ 'الشهرة'، التي تجعل قدمه تنزلق في أول محك مهني، إذا لم يكن
أن يكون المذيع وسيما، فذلك أمرٌ حسنٌ، من شأنه أن يجذب له المشاهدين، ويجعله ضمن قائمة المفضلين! لكن هذه الوسامة، قد توقع صاحبها في فخ الشهرة، التي تجعل قدمه تنزلق في أول محك مهني، إذا لم يكن صاحب الطلة البهية، صحفيا ماهرا، يشتغل على بناء نفسه، والإعداد لنشراته الإخبارية، وبرامجه الحوارية، بشكل جيد.
الإعلامي السعودي علي الظفيري، مقدم برنامج في العمق، على شاشة الجزيرة، هو واحد من أولئك الذين لم تسرقهم أضواء الشهرة، أو ينزلقوا إليها سريعا، منقادين بنشوة تعمي بصر عشاقها. لذا، تراه يصر على ترقي السلم المهني، خطوة بخطوة، بعد أن بدأ في التلفزيون السعودي، لينتقل بعدها مقدما لنشرات الأخبار على الجزيرة، وتاليا مقدما لبرنامج رئيسي يبث على الهواء مباشرة، ويستضيف نخبة من الضيوف، في حوار أقرب إلى العلمية والبحث في بواطن الموضوعات، مبتعدا عن صراخ المتحاورين، أو النبرة العالية، التي تحاكي رغبات المشاهدين.
في حلقة هذا الأسبوع من برنامجه في العمق، ناقش الظفيري التطورات السياسية والأمنية في البحرين، ورغم دقة الموضوع، إلا أنه استطاع أن يقدم للمشاهد نقاشا هادئا، عقلانياً، غير متشنج، لم يعل فيه صراخ ضيفيه، أو يتعد أحدهما على الآخر. وفي نفس الوقت، كان الظفيري من خلال أسئلته يعرف كيف يوجهها، لكل واحد منهما، وفقا لخلفية الضيفين السياسية والفكرية، وكان جليا للمتابع، أن المحاور أعد لبرنامجه بشكل جيد، وكان ملما بتفاصيل صغيرة، تتعلق بمجريات العملية السياسية طوال الفترات الماضية، وهو الأمر الذي يفتقده كثير من مقدمي البرامج السياسية.
قد لا يكون برنامج الظفيري له بعد جماهيري كبير، كبرنامج الاتجاه المعاكس ـ على سبيل المثال ـ إلا أنه استطاع في فترة وجيزة، أن ينافس زملاء له، لهم سنوات في حقل عملهم، والسر في ذلك، التحضير الجيد، وانتقاء الضيوف، والبعد عن النبرة العالية، وأخذ الجمهور نحو مساحات أكثر نضجا، بدلا من السير وراء رغبات المشاهدين، لأن الإعلامي وظيفته تقديم المعلومة وتحليلها، وجلاء الصورة الخبرية، بعيدا عن تسييسها، أو أدلجتها، أو تغليفها بعواطف المتابعين.