الرياض: سليمان العنزي

تحايل في العرض واختلاف لنسب الأملاح والألوان تجذب المستهلكين

أعادت وزارة المياه والكهرباء، بث تحذيراتها التي أطلقتها قبل 8 سنوات، بشأن شركات تصنيع أجهزة تنقية المياه ومسوقي تلك المنتجات، وكان التحذير المستنسخ لعامه الثامن، موجها للمستهلكين فقط، لإبلاغهم بعد تصديق ما يذكره المسوقون أن مياه الوزارة غير صحية.
وحذرت الوزارة من الانسياق خلف أجهزة تنقية مياه الشبكة وتحليتها داخل المنازل، والتي يدعي مسوقوها أنها تقوم بتنقية المياه.
وأوضح المتحدث الرسمي لوزارة المياه والكهرباء المهندس فهد الخشيم أن الوزارة سبق وأن نبهت عن بعض الممارسات المضللة التي يقوم بها عدد من مسوقي أجهزة تنقية المياه للمنازل، التي تتمثل في اتصال مندوب الشركة بالمواطن والعرض عليه إجراء تجربة منزلية تثبت فعالية ما يقوم بتسويقه من أجهزة، وعدم صلاحية المياه الواردة من خلال الشبكة للمنزل.
 

تهاون
من جهته، استغرب الخبير الاقتصادي فضل البوعينين من تهاون وزارة المياه في حماية المواطن من الغش الذي يمارسه عليه مندوبون شركات تنقية المياه، مشدداً على أن الماء والغذاء هما العنصران الأساسيان في حياة الإنسان ولا يمكن التهاون فيهما، وأن أي غش أو تلاعب أو تقصير في الرقابة عليهما يضر بصحة المواطن وينعكس تأثيره عليه بشكل مباشر وعلى المجتمع، بل وعلى الدولة أيضا.
ويرى البوعينين أن رسائل وزارة المياه التحذيرية لا تغني ولا تسمن من جوع بل هي مجرد إبراء للذمة، لكي لو وقعت واقعة أو حدثت مصائب لأسباب مرتبطة بهذه بالموضوع تستطيع حينها أن تتبرأ من الذنب وتلقي باللوم على المواطن لأنه سبق لها أن حذرته.
وتابع البوعينين قائلاً: على الإدارة التنفيذية في وزارة المياه تحويل الرسائل التحذيرية إلى واقع معاش، وذلك بتطبيق وتشديد الرقابة الفعلية ومحاسبة المخالفين والتشهير لوقف مثل هذه التجاوزات، مشيراً إلى أن بث الرسائل التحذيرية عبر وسائل الإعلام وبعض هذه الإعلانات يكون مدفوع الأجر وهو أمر غير مقبول، داعياً الوزارة في حال كانت لا تمتلك السلطة لمنع ممارسات الغش فلا تحذر منها فقط، محملاً الوزارة المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث من تقصير في إيصال المياه كخدمة أساسية للمواطنين وهو ما اضطر المواطن إلى البحث عن أجهزة تنقية ودفع مبالغ طائلة من أجل شرائها، وتقصيرها وتهاونها في الرقابة ومعاقبة المخالفين، الذين وجدوا في غياب الرقابة أجواء مناسبة لممارسة الاحتيال على المواطنين طوال هذه السنوات.
 

تحايل
وبالعودة للمتحدث الرسمي لوزارة المياه والكهرباء، الذي وصف السيناريو الذي يمارسه المسوقون بدقة إذ قال: يحضر المسوق للمنزل، ويقوم بالحصول على عينتين من المياه إحداهما مباشرة من الشبكة، والأخرى بعد تمريرها عبر الجهاز الذي يقوم بتسويقه، ولإثبات الصلاحية من عدمها في العينتين يقوم بغمر قضيبين من الحديد والألمنيوم في العينتين، ويمرر الكهرباء فيهما ونتيجة لذلك تبدأ العينة التي حُصِل عليها من الشبكة مباشرة بالتحول إلى اللون الأخضر الغامق، بينما يكون التحول قليلاً في العينة التي استخرجها من الجهاز، ويحاول البائع من خلال نتيجة التجربة إيهام المواطن أن مياه الشبكة غير صالحة للاستخدام وتجب عليه معالجتها من خلال جهاز للتنقية كالذي يعرضه.
وأكد المهندس الخشيم أن ما تود الوزارة التأكيد عليه أن الاستنتاج الذي يخرج به مسوق الجهاز ويحاول إيهام المواطن به هو ضرب من الاحتيال، مضيفاً واقع الحال أن تحول ماء الشبكة إلى اللون الأخضر الداكن ليس سببه ماء الشبكة، وإنما مصدره تفاعل قطب الحديد المغمور في العينة مع الماء بوجود التيار الكهربائي الذي يطلق أيونات الحديد بشقيها، فتتفاعل بدورها مع الماء مكونةً راسباً من هيدروكسيد الحديديك وكلوريد الحديديك، وهو مصدر اللون الأخضر المشاهد.
ولفت الخشيم إلى أن هذه الرواسب تزيد كلما زادت كمية أملاح العينة في الماء، ولما تحويه مياه الشبكة من أملاح تبلغ قرابة 500 جزء في المليون وهو الحد الأمثل المطلوب وجوده حسب توصية منظمة الصحة العالمية، بينما يقل تركيز الأملاح في العينة التي تنتج من الجهاز لانخفاض كمية الأملاح بها عن الحد المسموح به، ونتيجة لذلك، يكون ترسب الحديد وتغير اللون في عينة الشبكة أكثر منها في العينة الأخرى.
وأشار الخشيم إلى أنه وجب التنويه على أن تغير اللون مصدره قضيب الحديد المغمور في العينة وليس من العينة نفسها، وأن قلة الأملاح في المياه الناتجة من هذه الأجهزة ليست بالضرورة صحية، خاصة إذا انخفضت النسبة عن المشار إليها وهي 500 جزء في المليون، وهو المتحقق فعلياً في المياه الموزعة عبر الشبكة، علاوة على أن ما يقوم به مسوقو هذه الأجهزة وما يوهمون به من نتائج هو احتيال واستغلال لجهل المواطن بجوانب التجربة التي من خلالها ينجحون في بيع هذه الأجهزة غير الضرورية، وبأسعار باهظة، لافتاً الانتباه إلى أن الوزارة لا علاقة لها البتة بتسويق هذه الأجهزة كما يدعي بعض المسوقين.
 

تقصير
وكان للاقتصادي البوعينين رأي آخر، مشدداً على أن تقصير وزارة المياه لا يقف عند تهاونها في منع مندوبي شركات تنقية المياه من غش الناس بل إنها لم توفر المياه للمواطنين بشكل دائم وقلة المياه دفعت بعض المواطنين إلى شراء المياه من الصهاريج، والتي بعضها ليست نظيفة وبعضها يستخدم لنقل القاذورات ومن ثم يعاد غسلها وتعبأ بمياه الشرب وتباع على المواطن البسيط.
 

تكرار
وتسائل البوعينين بقوله: إذا كانت الوزارة مقتنعة بوجود عمليات غش وعمليات احتيال مما استدعاها إلى الإعلان عنها في وسائل الإعلام فلماذا تكتفي بتكرار الخطاب نفسه والرسائل التحذيرية نفسها فقط ألا يستدعي ذلك أن تستخدم سلطتها لإيقافهم.
وأضاف البوعينين بشكل عام يجب على جميع وزارات الدولة أن يكون لها جانبان جانب تثقيفي وجانب آخر تنفيذي، والجانب التثقيفي هو أن تثقف المجتمع بكل ما فيه من مخالفات أو أضرار، على أساس أن تصل إليه الرسالة، أما الجانب التنفيذي هو أن تقوم الوزارة بدور فاعل بإيقاف مثل هذه الممارسات والتصدي لها بسن قوانين وعقوبات رادعة وتطبيقها على أرض الواقع.
 

عدم ترابط
كما لم يستثن البوعينين وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك من التقصير، مشدداً أنهما معنيان بشكل مباشر ومقصران بشكل كبير في هذا الجانب، مبيناً أن هذا يقود إلى طرح سؤال مهم وهو هل وزارات الدولة مترابطة ويوجد بينها علاقة وتنسيق أم لا يوجد بينهما ترابط؟.
 

عدم التنسيق
وقال البوعينين، في حال كانت الوزارات مترابطة وكان هناك تنسيق في هذه الحالة لاستطاعت وزارة المياه بالتنسيق والتعاون مع وزارة التجارة وبقية الوزارات الأخرى وقف مثل هذه الاحتيال وعمليات الغش التي تحدث، ويوجد في وزارة التجارة وكالة اسمها وكالة حماية المستهلك وهي معنية بهذا الأمر، وأيضا جمعية حماية المستهلك أين هي عن كل هذا لماذا لا نجد لها صوتاً أو فعلاًَ.
وأردف البوعينين قائلاً: وجهة نطري أن المشكلة لدينا ليست في أداء وزير أو مسؤول بل في منظومة العمل الحكومي، والتي لا تعمل كما يجب حتى أصبحت أسواقنا مستنقعا لكل بضاعة فاسدة ورديئة، وأعتقد بأن جميع وزارات الدولة تعتمد على إبراء الذمة والتهرب من المسؤولية ما عدا وزارة الداخلية التي تقوم بالتنفيذ أما البقية فلا أريد أن أقول إنهم نائمون لكنهم لا يقومون بدورهم في إيقاف التجاوزات التي تضر المواطن والمجتمع.
وختم البوعينين قائلاً: ما لم يكن لدى الحكومة مؤشر حقيقي لقياس أداء الوزراء فلن تصل إلى أي نتيجة، فقد أصبح الذي يعمل والذي لا يعمل سواء، وهذا المؤشر يجب أن يرتبط بأداء الوزير ومدى تحقيقه للأهداف التي تضعها الحكومة، فنحن نعاني في الجانب التنفيذي وفي الجانب الرقابي وأكثر ما يؤلم هو أن تتخلى وزارة عن دورها التنفيذي بحماية المواطن وتكتفي بتكرار رسائل تحذيرية مستنسخة.