ما الذي يجعل أحمدي نجاد مستعدا للبقاء لمدة أسبوع في الولايات المتحدة؟ هل هذا يعبر عن أمله في لقاء الرئيس أوباما في أحد ممرات الأمم المتحدة وجها لوجه حيث يتصافح الرئيسان ويسهم ذلك في إذابة الجليد وانعدام الثقة التي استمرت ثلاثة عقود بين البلدين؟

الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي يفترض أن يلقي خطابا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم غدٍ 23 سبتمبر، وصل إلى نيويورك قبل عدة أيام من ذلك التاريخ ليحضر اجتماع القمة حول الأهداف الإنمائية للألفية يوم الاثنين 20 سبتمبر. إذا سار كل شيء وفق ما خطط له، سيبقى الرئيس نجاد في الولايات المتحدة لمدة أسبوع تقريبا لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة. وفور وصوله، أجرى الرئيس نجاد مقابلة مع قناة (إي بي سي) أشار خلالها إلى الدعوة التي وجهها للاجتماع مع الرئيس أوباما والتي لم تلق استجابة من الرئيس الأمريكي. وأضاف الرئيس الإيراني خلال اللقاء الذي أجرته المذيعة المعروفة كريستيان أمانبور أن إطلاق سراح المواطنة الأمريكية سارة شراود الأسبوع الماضي، بعد أن أمضت 14 شهرا في السجن بسبب دخولها الأراضي الإيرانية بشكل غير مشروع، هو آخر الإشارات الإنسانية التي قدمتها إيران لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة والتي لم تلق ردا إيجابيا في هذا المجال.
الدعوة إلى اللقاء التي يتحدث عنها الرئيس نجاد تشيرـ في الواقع ـ إلى المناظرة التي اقترح الرئيس الإيراني إجراءها مع الرئيس أوباما عدة مرات للحديث عن إدارة العالم أمام أجهزة الإعلام العالمية. بالطبع فإن مثل هذا اللقاء بعيد جدا عن الاجتماع الحقيقي الذي يفترض أن يناقش القضايا التي تهم البلدين والعلاقات التي تدهورت منذ عقود إثر احتلال السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز 60 دبلوماسيا أمريكيا لمدة 444 يوما. هناك الكثير مما يمكن مناقشته إذا اجتمع الرئيسان في نهاية الأمر. لكن الرئيس نجاد يتعرض لضغوط من المحافظين في إيران حول الاجتماع مع القيادة الأمريكية، وخاصة من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي قال مؤخرا إنه هو الذي يقرر متى يتم الاجتماع ومع من، وقال خلال اجتماع مع بعض أعضاء الحكومة الإيرانية إن الوقت لم يحن بعد لأن الأمريكيين لم يغيروا سلوكهم ولا نستطيع أن نثق بهم لعقد مباحثات ثنائية. هذا الكلام جاء ردا على تلميح أحد خطباء الجمعة المثيرين للجدل في طهران، آية الله جنتي، بأن الرئيس نجاد ربما يرغب في فتح حوار مع الولايات المتحدة. وقد يكون رد خامنئي تعبيرا عن عدم رضاه عن الشائعات التي انتشرت مؤخرا بأن الرئيس الإيراني ربما يخطط لفتح حوار مع الأمريكيين خلال زيارته للولايات المتحدة.
وإذا كان هذا النوع من التفكير موجودا لدى القادة البارزين في إيران، ما الذي يجعل أحمدي نجاد مستعدا للبقاء لمدة أسبوع في الولايات المتحدة؟ هل هذا يعبر عن أمله في لقاء الرئيس أوباما في أحد ممرات الأمم المتحدة وجها لوجه حيث يتصافح الرئيسان ويسهم ذلك في إذابة الجليد وانعدام الثقة التي استمرت ثلاثة عقود بين البلدين؟
بالطبع ليس الأمر بهذه البساطة، لكن هذه المحاولات، من الدعوة لعقد مناظرة علنية إلى الحضور إلى الولايات المتحدة مرتين هذا العام (حضر إلى نيويورك في أبريل الماضي لحضور المؤتمر النووي في الأمم المتحدة) والاستعداد للبقاء في الولايات المتحدة لمدة أسبوع حاليا لحضور الدورة 65 للجمعية العمومية للأمم المتحدة، تبين جهود الرئيس الإيراني لاتخاذ خطوة رئيسية لفتح قناة مع الإدارة الأمريكية، حيث لا توجد طريقة أخرى يستطيع الرئيس الإيراني من خلالها التعبير عن استعداده لإجراء محادثات مع الإدارة الأمريكية وتطبيع العلاقات في ظل وجود رجال دين متشددين في طهران. إن ما يفعله الرئيس نجاد في مجال فتح حوار مع الولايات المتحدة يفوق حتى ما كان الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي يستطيع أن يفعله، حيث إن الرئيس نجاد قادر على الحركة بسهولة أكبر بسبب ماضيه وعلاقته مع المحافظين. فهل يستطيع نجاد تحقيق النجاح في كسر الجليد بين البلدين برغم كل المعارضة الموجودة في بعض أركان المجتمع الإيراني؟
الشيء الثاني الذي ربما يركز عليه الرئيس نجاد هو رسم صورة مختلفة لإيران في المجتمع الغربي وتعزيز قوة موقع الرئاسة في إيران، حيث إن الدستور الإيراني يجعل المرشد الأعلى الرجل الأقوى في إيران ويليه رئيس الجمهورية. قبل يوم واحد من مغادرته طهران، تحدى الرئيس نجاد البرلمان الإيراني عندما صرح قائلا: إن البرلمان اليوم لا يتولى قيادة شؤون البلد! هذا الكلام يتناقض مع رؤية مؤسس الثورة الإيرانية، الإمام الخميني، للبرلمان، وربما يعتبر أيضا تحديا غير مباشر لسلطة المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي. الرئيس نجاد، الذي حصل على 25 مليون صوت خلال الانتخابات الرئاسية العام الماضي، ربما يرى أنه يمتلك سلطة ومؤهلات أكبر للقيام بالتغييرات الرئيسية واتخاذ القرارات الحاسمة.
إن سلوك أحمدي نجاد حاليا كان يمكن أن يجعله الرئيس الأكثر شعبية في إيران لولا أحداث العنف التي تلت الانتخابات الماضية. الطريقة التي قمعت بها قوات الأمن والميليشيات أحزاب المعارضة والمحتجين على نتائج الانتخابات حطمت قلوب ملايين الإيرانيين، حتى أولئك الذين لا يؤيدون المعارضة. إن مداواة هذا الجرح وإجراء مصالحة مع المثقفين والطبقة الوسطى في إيران يمكن أن تعتبر إحدى أولويات الرئيس أحمدي نجاد. كما أن الاعتزاز بالحضارة الفارسية القديمة ـ كما فعل رحيم مشائي مدير مكتب أحمدي نجاد في إحدى المناسبات ـ له جاذبية خاصة عند الإيرانيين لدى الحديث عن العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، والتي يرى كثير من الإيرانيين أن تطبيعها يعني نهاية العداء بين البلدين ورفع الحصار وتحسين الاقتصاد الإيراني، وربما وضع حد للدور الاستبدادي لرجال الدين في إيران إلى حد ما...
ولكن ربما يكون استغلال حس الاعتزاز القومي لكسب شعبية أكبر لدى الشعب الإيراني أسهل على أحمدي نجاد من الجلوس مع الرئيس الأمريكي والحديث عن المصالح المشتركة للبلدين.