عبدالرحمن عسيري

كمئذنة طهر ترتل مواويل الألم والحس الشفيف معا، كمدينة من الضوء لا تنطفئ، كحكاية من الجمال والحياة والحضور المكتمل الذي لا يَمِلُ سامعُه، لقبه الكبير طلال مداح بـأخطبوط العود، ولقبه الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد بـسفير الحزن، لكنه بالتأكيد الحنجرة الأندر عربيا، والعبقرية اللحنية المتفردة، واليد الأكثر براعة في عزفها على آلة العود..
عبدالله محمد الجوهر أو عبادي الجوهر كلا الاسمين يدلان على حنجرة واحدة غاية في العذوبة والجمال,.. ولد في جدة بتاريخ 1372 وقد خرج للدنيا يتيم الأب إذ لا يعرف وجهه إلا من خلال الصور فقط، وتوفيت والدته بمرض السرطان بعد ذلك بفترة ليست طويلة، ولذا كان صوته قوافل جراح تسير على كتف الصبح، فآمن أنه لا يوجد طبيب لآلامه الشعورية غير الموسيقى، وكانت هي علاجه الناجع التي جعلته يتجاوز عقبات الأسى والحرمان، وحين كبر قليلا عقد نيته في طرق باب الرزق ومن حسن الصدفة والمشيئة المخبأة في عنق الغيم أن يقابل عبادي الجوهر -في اليوم الذي ذهب فيه ليتقدم لأحد القطاعات العسكرية- الفنان لطفي زيني، ليرتب له لقاء بطلال مداح  في شركة أسطوانات «رياض فون»، وكان عمره حينها 14 عاماً، وبمجرد سماع صوته وعزفه قرر أن يوقع معه عقداً في اليوم نفسه، وأعطاه لحناً ظهر عبادي الجوهر من خلاله للناس والذي كتب كلماته من رتب اللقاء بينهما لطفي زيني وعنونه بـياغزال.
ومن حينها تربع عبادي الجوهر على عرش الغناء والعبقرية اللحنية السعودية، ودوزن صوته على أنغام الفجر، فلم يكن عاديا ولا مكرورا، وإن تتلمذ على يد العملاق طلال مداح وتشبه به في بدايته إلا أنه استطاع أن يؤسس له مدرسته اللحنية والغنائية الخاصة، لكن من الغريب والغريب جدا ألا تجد فنانا واحدا في الوطن العربي استطاع أن يتشبه بعبادي، لقدرته العالية لحنيا، ولصوته الناااادر جدا، ومن المؤلم فعلا ألا يكون لدينا صوت شاب واحد نستطيع أن نصافح به مستقبل الأغنية السعودية القادم.
عبادي الجوهر يجيد انتقاء الكلمة التي يغنيها، فلا يغني الضعيف ولا المستهلك ولا يغني لأنصاف الشعراء، يتذوق الحرف.. يتمازج معه.. يعيشه.. ثم يغنيه، وحين تستمع للأسماء التي غنى من كلماتها تعرف أنه فنان يجيد الاختيار فمنهم: لطفي زيني،  خالد الفيصل،  بدر بن عبدالمحسن، فائق عبد الجليل، إبراهيم خفاجي، ، طلال الرشيد، محمد العبدالله الفيصل، عبد الرحمن بن مساعد، عبد الرحمن حجازي، سعود شربتلي..
أخيرا.. عبادي الجوهر اليوم لم يعد واحدا ضمن آخرين في القمة فقط، بل أصبح هو القمة فحينما نقارن عملا فنيا ليس لنا إلا أن نقارنه بعمل مبدع قدمه عبادي الجوهر.. ذلك الإنسان الذي كلما بكى بكينا معه لأنه قدم رسالته كفنان بأنقى وأجمل وأعذب وجه...