في أي محاولة قرائية وموضوعية لدراسة جذور وبذرة الإرهاب في خارطة العالم الإسلامي سيصل الباحث إلى الحقيقة المبرهنة أن بضعة أشهر من عام 1980 كانت هي المزرعة والمشتل. في ظرف بضعة أشهر من ذلك العام الأسود جرت ثلاثة أحداث مهمة: غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. قيام الثورة الخمينية الفارسية وظهور الحركة الجهيمانية بأدبياتها المتطرفة وقد أضفتها كي يدرك القارئ الكريم أننا نرصد الوقائع دون انحياز أو تمييز في دراسة منابع ومنابت ظواهر الإرهاب ورعاته.
سنبدأ بروسيا بوصفها راعي الإرهاب وغطاء الديكتاتورية الأوحد الأعظم التي جمعت تحت عباءتها كل أطياف الوحشية. من كيم إيل جونج في شمال كوريا إلى بشار الشام الدموي، ومن عبدالملك الحوثي إلى حسن نصرالله.
تقول النكتة التي تحولت إلى خبر صغير مؤكد فيما بعد، إن ليونيد بريجنيف، رئيس الاتحاد السوفياتي الأسبق، اتخذ قرار غزو أفغانستان لأن كوباً من القهوة الساخنة انسكب على بدلته الزرقاء في اجتماع غاضب مع وزير دفاعه، فأراد أن يعاقب الأخير بتجريبه في دخول حرب هي بالضبط من غيّر ملامح العالم إرهاباً فيما بعد. ومن تحت هذا الكوب الساخن تمكنت قاعدة الإرهاب، كما تقول سجلاتها، من تسجيل ربع مليون جهادي وصلوا إلى أفغانستان، ومن صلب هؤلاء، توالدت عشرات الفرق التي تحمل ألوية الجهاد، باسم هذا الدين العظيم. من الصومال إلى نيجيريا، ومن الجزائر إلى الهند، ومن الحوثية انتهاء بالدواعش كآخر الظواهر. كل هذه الجرائم التي شوهت صورة الإسلام وحولت مصطلح الجهاد إلى فعل للإرهاب ولدت من رحم القاعدة التي ابتدأت نتيجة قرار روسي بالغزو جاء كما تقول النكتة من صلب كوب قهوة ساخنة انسكبت على بدلة الزعيم الفاشي المستبد.
روسيا هي من فتحت من أفغانستان معملاً هائلاً مفتوحاً لمعسكرات الإرهاب والتدريب على القتل. هي من فتحت بعدها بؤرة الشيشان، مثلما كانت الداعم الأول لمجرمي حروب البلقان الذين تساقطوا من بعد في محكمة الجزاء الدولية. روسيا هي من وقف ضد أي قرار لهذا العالم بأكمله في مجلس الأمن لإيقاف جزار سورية عن بشاعة استخدام السلاح الكيميائي ومجازر البراميل المتفجرة. هي من ماطل كي يكون السلاح النووي سكين الفرس القادم في وجه شعوب الخليج العربي لأن الجانب الغربي من هذا الخليج بقي عصياً على الأجندة الروسية. روسيا هي أم الإرهاب العالمي الأول ومنبعه وأصله وجذره وغطاء كل حركاته المتطرفة أو أنظمته الرسمية الشمولية. الفارق في كل الزمن ما بين بريجنيف إلى بوتين أن الأخير لا يشرب القهوة، لكنه يتلذذ بأن يكون العالم الإسلامي مسرحاً لتجاربه ومعملاً مفتوحاً لتمدد إمبراطوريته.