كنت أتمنى أن يزور فريق 'طاش ما طاش' جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ليوضح للعالم، الذي يراقب مسلسلاته ويترصد لهفواته، كيف غدت 'كاوست' في 1000 يوم أفضل المنارات العلمية المضيئة في العالم
في شهر رمضان المبارك (احتفل) العالم العربي بارتفاع عدد الفضائيات العربية إلى 702 قناة لتتفوق بذلك على عدد الجامعات العربية بنحو 5 أضعاف.
جميع هذه الفضائيات أخلّت بمقومات العولمة الإعلامية، لكونها تهدف إلى استباحة عقول شعوبنا على حساب قضايانا المصيرية، وتسعى إلى تشويه صورتنا على عكس ما نتحلى به من صفات مميزة قلّ أن تتواجد في شعوب المعمورة قاطبة.
في الوقت الذي تقصف طائرات العدو الإسرائيلي مدن الجوار العربية وتهدم المنازل عن بكرة أبيها وتقتل النساء والأطفال وكبار السن، تتألق فضائيات العدو الإسرائيلي ببث دموع أطفال (الكيبوتز) الذين أصابتهم الرعشة والخوف من (إرهاب) المحيط العربي. وفي الوقت الذي تقف الشعوب العربية عاجزة عن الحصول على حقوقها المشروعة، تتألق الفضائيات العربية بأفواه التهديد وعصابات الترويع ووسائل القتل والدمار، لتمنح العدو فرصة ذهبية طالما سعى إليها للتأكيد على أنه الطفل (البريء) والإنسان (الضعيف) الذي يواجه جحافل (الإرهاب) العربي (المخيف).
أعتقد، والله أعلم، بأن معظم القائمين على الفضائيات العربية لا يفهمون لعبة العولمة الإعلامية، ولا يعرفون أن العالم بأسره، من أصدقاء وأعداء، يراقب أفعالنا ويستغل لصالحه كافة برامجنا السيئة ومقابلاتنا الهزيلة ومسلسلاتنا الهابطة. بل أكاد أجزم أن فضائياتنا العربية أصبحت الأداة المثلى في يد أعدائنا للترويج عن صورتنا المشوهة والسافرة أمام العالم.
قبل نصف قرن بدأت العولمة مهامها بفتح الحدود الفضائية لقطاعين: الاتصالات وتقنية المعلومات، لتصبح شعوب العالم رهينةً لأدوار فضائياتها الإعلامية التي جعلت من البعيد قريباً ومن المخفي مكشوفاً.
هنالك دول استفادت من عولمة الفضائيات في تصحيح صورتها أمام العالم، لتجعل من الخيال حقيقة ومن الدعاية واقعاً ملموساً، وهنالك دول أساءت استخدام عولمة الفضائيات، وكرّست جهودها لتسفيه الذات ونشر الغسيل وامتهان العقل، فأضحكت العالم على خيبة شعوبها وغباء تصرفاتهم، وأدت إلى ترسيخ صورتهم المشوّهة أمام أهل الأرض قاطبة.
قبل هجمات 11 سبتمبر 2001، قام الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي إيغال كرمون والطبيبة الإسرائيلية الأمريكية ميراف وورمسر بتأسيس معهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط ميمري في العاصمة واشنطن. واليوم تفتخر ميمري بأنها المؤسسة اليهودية الفريدة المختصة بمتابعة الإعلام العربي والإيراني وترجمة أخباره وبرامجه ومواضيعه إلى الإنجليزية، مع التركيز على الفضائيات العربية التي تتعرض للدول الغربية عامة وتهاجم الشعوب اليهودية وأمريكا خاصة.
وقبل أيام نشرت جريدة نيويورك تايمز تقريراً صادراً عن معهد (ميمري) يفيد بأن أعداء الأمة العربية يعيشون حالياً عصراً ذهبياً مزدهراً نتيجة قناعتهم بأن الفضائيات العربية، بواقعها الراهن الهزيل، لن تتمكن من التأثير على الرأي العام الدولي، وأن هذه الفضائيات أصبحت أفضل معين لأعداء العالم العربي ومنحتهم الفرصة المثلى للتعريف بكراهية الحكومات والشعوب العربية للدول المتقدمة. وانتهى التقرير إلى أن أعداء العالم العربي لا يحتاجون إلى المزيد من الدعاية والإعلان عن أسباب سلبهم لحقوقه التي لا (يستحقها).
تزامن هذا التقرير مع نتائج الاستطلاع الذي أصدره مركز الدراسات العربي الأوروبي عن مدى قدرة الفضائيات العربية على خدمة قضايا العالم العربي. تبين للمركز أن نسبة 41% من الآراء اعترفت بأن الفضائيات العربية لا تمتلك القدرة على اختراق المجتمع الدولي بسبب غياب الإرادة المؤمنة بالقضايا العربية، وضعف الكفاءات والاستراتيجيات الإعلامية، التي لا تتقن فن دغدغة مشاعر العالم الخارجي ومخاطبته بلغته والتأثير عليه. وأقرت نسبة 24% من الآراء بأن الفضائيات العربية أخفقت في مهامها لأنها موجهة أصلاً الى اغتيال الفكر العربي واستباحة عقله وتأجيج الفتن والصراعات الداخلية، وتحريض الشعوب العربية على عدم الاندماج مع العالم الخارجي من خلال نشر الأفكار المشوهة عن تطور شعوب العالم .
واعتبرت نسبة 22% من الآراء أن الفضائيات العربية محكومة أصلاً بجغرافية مواقعها المحلية المحدودة وأجندات داعميها، وعجزها عن توجيه قواها للدفاع عن تحدياتنا ومصالحنا، مما أدى إلى ترك الساحة العالمية مفتوحة أمام وسائل الإعلام الغربية لتقدم ما تريده ولتشرح المواقف التي ترى أنها مناسبة لتوجهاتها وتطلعاتها.
كنت أتمنى في رمضان أن تشع (إضاءاتنا) لتنوير العالم، وأن (تواجه صحافتنا) شعوب المعمورة لكشف قدرات صناعتنا الوطنية على منافسة المنتجات العالمية في 122 دولة، لتتبوأ صادراتنا المركز الـ 12 بين أكبر دول العالم، وكيف احتل اقتصادنا المرتبة الـ 18 بين أعظم دول مجموعة العشرين، وكيف قفزت أسواقنا إلى المرتبة الـ13 كأفضل بيئة استثمارية عالمية، وكيف حققنا المرتبة الـ 8 في تدفق الاستثمارات الأجنبية التي تضاعفت 25 مرة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وكنت أتمنى أن يزور فريق (طاش ما طاش) جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ليوضح للعالم، الذي يراقب مسلسلاته ويترصد لهفواته، كيف غدت (كاوست) في 1000 يوم أفضل المنارات العلمية المضيئة في العالم، ومنبراً لإثراء الفكر والمعرفة وتوطين العلوم والتقنية وتوفير أساليب البحث والابتكار، ومعقلاً من معاقل علماء المستقبل وخبراء المعمورة.
على فضائياتنا أن تستفيد من مفهوم العولمة الإعلامية، لتصحيح مفاهيم شعوب العالم تجاهنا بدلاً من ترسيخ معتقداته المشوهة حيالنا.