مركز الدراسات الاستراتيجية: لا جدوى لأن تكون إيران شريكا في الحل
أربك موقف المملكة العربية السعودية الذي أعلنه مجلس وزرائها الأخير بشأن الأحداث الأخيرة في العراق حسابات حكومة نوري المالكي وبعض حلفائه الذين ظلوا يغضون الطرف عن سياسات الحكومة العراقية الطائفية وتسويق فكرة الجماعات الإرهابية لمحاصرة الطائفة السنية ودمغ أبناء العشائر بالإرهاب، وكذلك محاولة تسويق فكرة وجود مؤامرة خارجية تستهدف النيل من حكومة المالكي.
وطبقا لدراسة أعدها مركز التحليل والدراسات الاستراتيجية ومقره الرياض، فإن الموقف السعودي لم يكن مجرد (وجهة نظر) تجاه الأزمة العراقية، بل قدم خارطة طريق لحلول ناجعة تكفل المشاركة الحقيقية لجميع مكونات الشعب العراقي في تحديد مستقبل بلادهم والمساواة بينها في تولي السلطات والمسؤوليات في تسيير شؤون الدولة وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية اللازمة لتحقيق ذلك، والإسراع في تشكيل حكومة وفاق وطني للعمل على إعادة الأمن والاستقرار، وتجنب السياسات القائمة على التأجيج المذهبي والطائفية.
وذهب التقرير إلى القول المملكة العربية السعودية بثقلها السياسي الإقليمي تعتبر لاعباً أساسياً – لاعباً إيجابياً في العراق وليس سلبياً – تدرك بيقين لا يقبل الشك أن السياسات الطائفية والإقصائية التي مورست في العراق خلال الأعوام الماضية هددت أمنه واستقراره وسيادته، وأن هذه الرؤية الحكيمة وحدها قادرة على إقناع حلفاء المالكي الذين يهرولون لتقديم الدعم العسكري لإنقاذ الحكومة التي لم تفكر يوماً على جمع مكونات الشعب العراقي والمساواة فيما بينها.
ومقابل المصلحة الإيرانية الكبرى في التدخل في الشأن العراقي وبسط أجندة مذهبية في محاولة مسخ هويته ليكون تابعاً لمنهجها التوسعي الطائفي، فإن المملكة العربية
السعودية – طبقا للدراسة - تهمها وحدة هذا البلد وترابه وكذلك استقراره، وهو الدور الإيجابي الذي تقوده المملكة بالمنطقة، خلافا للدور السلبي الهدام الذي تنشط عليه الحكومة الإيرانية التي ظلت تشعل نزاعات احتواء مماثلة في مواقع مختلفة من المنطقة العربية.
وتشير الدراسة إلى أن الرؤية العقلانية لحكومة المملكة ألجمت أيضاً بعض الأفواه والألسن التي ظلت تلوك في الخفاء والعلن عن وجود دور سعودي سلبي تجاه الأوضاع في العراق، ومؤامرة ضد هذا البلد، وفضح أيضاً أن كل ما يقال كان بهدف إخفاء الدور السلبي الذي تلعبه دول إقليمية وربما بإشارات خضراء من بعض اللاعبين الدوليين الذين تقوم سياساتهم في المنطقة على الكيل بمكيالين.
وتؤكد الدراسة التحليلية، أن موقف المملكة الذي جاء واضحاً بلا ضبابية برفض أي تدخل أجنبي، وأنه يجب إعطاء أبناء الشعب العراقي الفرصة لحل مشاكلهم بأنفسهم، ودعوة الآخرين بخلاف ذلك، أعاد إلى الأذهان مأزق التدخل الأجنبي في العراق قبل 11 عاماً، وجعل العواصم الغربية تعيد إنتاج السيناريو من جديد حينما تدخلت لإسقاط الرئيس صدام حسين (رغم اختلاف الوضع بين هذا وذاك، وتشابه النتائج والمخرجات)، إن عقدا من الزمان كان كافيا لأخذ الدرس من التجربة وتصحيح المسار، ومحاولة احتواء الفئات أو المناطق التي تشعر أنها مهمشة، ولكنه لم يحدث ذلك، وعلى العكس استمرت السياسات التي تعمق الانقسام، وأصبح حديث التقسيم يعلو يوما بعد يوم، دون أن تجرى حسابات واقعية لمعرفة أن هذا السيناريو سيكون أشد دموية وعنفا من كل ما شهدناه من قبل.
مأزق صعود (داعش) في الواجهة وتصدره للموقف رغم اختلاف غالبية أبناء العراق معه، خلط أوراق أبناء العشائر الذين قادوا في الآونة الأخيرة العديد من المظاهرات والاعتصامات وطالبوا حكومة المالكي برفع الظلم والتهميش عنهم، إلا أن ذلك لن يمنع استمرار أزمة الحكم حتى ولو قضت الحكومة على تنظيم (داعش).
ليس واضحاً جدوى الانفتاح الأميركي على إيران بشان الأزمة في العراق، فلو كانت الولايات المتحدة تعتقد أن إيران وصية على حكومة المالكي ويمكن أن تملي حلاً عليها، تكون قد اعترفت ضمناً أن إيران سبب الأزمة وشريك في الاقصاء الطائفي، وبالتالي لن تجد عندها حلاً.
الولايات المتحدة لا تزال تتذكر أيام الاحتلال الأولى وأيام المقاومة الشرسة التي واجهتها من قبل المقاومة العراقية السنية منها والشيعية، وبدا حينها تعاون خفي بينها وإيران، واستطاعت الأخيرة تحييد وإقناع جيش المهدي بوقف قتال الأميركان.
ونقلت وكالات الأنباء حينها ترحيب الجيش الأميركي بتوقف جيش المهدي عن قتالها، وجاء في الأنباء في حينه (عبر الجيش الأميركي في العراق عن ارتياحه لالتزام عناصر جيش المهدي بأوامر زعيمه مقتدى الصدر الذي أعلن في 29 أغسطس الماضي وقف جميع أنشطته، مؤكدة أنها ستركز الآن على التصدي لمتطرفي تنظيم القاعدة، حسب وصفها للمقاومة.
هذا ما يفسر بالضبط هرولة أميركا نحو إيران رغم أن الأخيرة هي أساس الأزمة الطائفية التي تعيشها العراق وليس مفتاح الحل، وقد قال مسؤول أميركي كبير لصحيفة وول ستريت جورنال إن إدارة الرئيس باراك أوباما تفكر في احتمال إجراء محادثات مع إيران بشأن الأزمة الأمنية المتصاعدة في العراق حيث تسعى حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي صد تقدم مفاجئ لمتشددين سنة استولوا على عدة مدن. وقبل أن تشرع الولايات المتحدة في انفتاحها مع إيران، وصف السيناتور الأميركي جون ماكين في تصريحات أبرزتها صحيفة إنترناشونال بزنس تايمز البريطانية مناقشة الإدارة الأميركية لإمكانية التعاون مع إيران لإيقاف تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام داعش، بـقمة الغباء، قائلا: إنه من الحمق أن نعتقد أن النظام الإيراني يصلح ليكون شريكا لواشنطن في إدارة الأوضاع الأمنية بالعراق.
ولم يتوقف ماكين إلى هذا الحد بل عضد اعتقاده بالقول: إن النظام الإيراني الذي درَّب وسلح عناصر شيعية من أجل الضغط على رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لتنفيذ أجندة طائفية محددة، وإهمال فكرة المصالحة الوطنية، لا يمكن الثقة به للعمل مع واشنطن معا من أجل إيقاف تقدم داعش بالعراق.
إذاً لن تجد الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وحلفائه الأميركان والإيرانيين غير نصيحة المملكة العربية السعودية لتسوية الأزمة التي تضرب بلاد الرافدين حالياً وبناء عراق مستقر وآمن، وتتلخص هذه النصيحة في (تشكيل حكومة وفاق وطني للعمل على إعادة الأمن والاستقرار وتجنب السياسات القائمة على التأجيج المذهبي والطائفية).