المبتعثون يقومون بدور ثقافي ومعرفي مزدوج يسهم في تنمية التبادل الثقافي والتواصل العلمي والحضاري بين المملكة ودول العالم الأخرى، فهم عنوان لمجتمعنا وبلادنا وقيمها وتطلعاتها
منهجية الدولة في الابتعاث توازن بين الكم والنوع وتنتهي إلى خلاصات علمية مركزة تستهدف بناء المستقبل من خلال عقول أبناء الوطن، وليس الابتعاث برنامجا علميا أو تعليميا وحسب وإنما هو في الواقع تطوير للفرد المبتعث واستنهاض قدراته واكتشافها بما يجعله إضافة حقيقية للمجتمع، فهو إلى جانب الاستكشافات الذاتية، يعتبر رصيدا علميا وتكتيكيا مهما في العملية التنموية برمتها.
الابتعاث سلة متكاملة من المعارف تعتبر الحصيلة العلمية جزءا يسيرا منها، فما يأخذه المستفيدون من المعرفة الشاملة ينضجهم ويهيئهم لمراحل كبيرة في المسيرة الوطنية، وإذا كانت الدول تسعى لنقل التقنيات والخبرات من خلال الأجهزة والأدوات التقنية حتى تعمل على تطوير قدراتها، فإننا ولا شك من خلال برنامج الابتعاث، نعمل على تعزيز الروح المعرفية المبدعة لدى مبتعثينا.
تلك الرؤية بمثابة أمانة علمية ووطنية يطلع بأدائها وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، وذلك أمر يمكن التماسه من خلال حيويته وتفاعله مع طموحات المبتعثين وطموحات وطنهم فيهم، فهو يتعامل مع برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي برؤية استراتيجية تجعل من المبتعثين أكثر من أن يكونوا طلابا فقط يستحقون الدعم والرعاية والإشراف على دراستهم، وإنما عناصر علمية مسؤولة وينبغي أن تكون مسؤولة من أجل المساهمة الفاعلة في التنمية الوطنية، ليحافظ بذلك على مسار البرنامج منذ أن أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في عام 2005 ويعمل على تطوير مكتسباته وجعله حاضنة استراتيجية للكفاءات المتميزة والمتخصصة من أبناء الوطن وبناته.
هؤلاء المبتعثون يقومون بدور ثقافي ومعرفي مزدوج يسهم في تنمية التبادل الثقافي والتواصل العلمي والحضاري بين المملكة ودول العالم الأخرى، فهم عنوان لمجتمعنا وبلادنا وقيمها وتطلعاتها، وفي نفس الوقت يجعلهم عاكسا لثروات الآخرين المعرفية وإمكاناتهم الثقافية، ودور وزارة التعليم العالي مؤثر ومهم للغاية في تحقيق أهدافه وغاياته، بل هي مرتكز في غاية الأهمية بحسابات استراتيجيات المستقبل والتطور والتنمية الشاملة والمستدامة، ولذلك لا غرابة في أن تتطور الإحصائيات لترتفع من ابتعاث بضعة آلاف من الطلاب إلى عدد محدود من الدول، حتى تعدت أعداد المبتعثين والمبتعثات 150 ألفا يدرسون في أفضل الجامعات بأكثر من 32 دولة في العالم.
وللحقيقة فقد استوقفني ذلك الدور العملي الكبير الذي اطلعت به الملحقية الثقافية في العاصمة النيوزيلندية أوكلاند، وتلك البقعة تعتبر أقصى بقاع الكرة الأرضية التي اتجه إليها أبناء وطننا، وذلك يجعلنا نحقق الذهاب إلى أبعد من الصين لطلب العلم، وقد حازه أولئك المتفوقون الذين توشحوا بأوسمة الشرف والإنجاز التي ارتسمت على وجوههم فرحا وزهوا بما حققوه.
ملحقيتنا الثقافية في أوكلاند، ورغم حداثة إنشائها، إلا أنها لعبت دورا كبيرا في تنظيم احتفالية الخريجين والانتقال بهم إلى المرحلة التالية عقب نيل الشهادات، وقد توفر لها مبنى حديث دشنه وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري فى مايو من عام 2010، وذلك بعد أن بدأ ابتعاث الطلبة السعوديين إلى دولة نيوزيلندا بمنح قدمتها جامعة أوتاقو لوزارة التعليم العالي بالمملكة في تخصصات العلوم الطبية، وكان ذلك انطلاقة لابتعاث الكثيرين إلى نيوزيلندا، رغم أنه لم تكن توجد حينها ملحقية ثقافية وكان الإشراف على الطلبة السعوديين في هذه الدولة يتم من ضمن الدول التي يتم الإشراف على طلبتها من دولة باكستان والتي كانت تشرف آنذاك على خمس عشرة دولة.
ملحقيتنا الثقافية في أوكلاند أكدت أن برنامج الابتعاث يسير في مسار إداري متقدم ويحقق أهدافه على الوجه الأكمل بالنظر إلى مستويات الرعاية والدعم التي يحتاجها الطلاب في جميع المستويات العلمية وطوال مدة دراستهم، ولعلي أشيد بدور الملحق الثقافي في نيوزيلندا الدكتور سطام بن بخيت العتيبي، الذي يدير الملحقية بكفاءة عالية تؤكد أن البرنامج ككل في ظل وجود قيادات احترافية سيصل إلى غاياته ويحقق أهدافه من أقصر الطرق، باعتبار أن المنجزات التي تتحقق من الابتعاث متكاملة بين إدارة شؤون هذا الابتعاث والإشراف على الطلاب في جميع أمورهم الدراسية والمعيشية، وغيرها، مما يؤهلهم لقضاء فترة علمية مميزة ومثالية تعيدهم إلى الوطن بحسب غايات ورؤى برنامج الابتعاث.