هل مجرد الوصول إلى تسوية تعالج الحصار المضروب حول صنعاء سينهي المشكلة.. أم أننا بصدد ظاهرة خطيرة تتطلب البحث في جذورها قبل أعراضها الآنية ودراسة علاقاتها الإقليمية قبل تفحص جيناتها الداخلية؟

وما العمل..
المغامرون يدفعون البلاد إلى الهاوية.
يُلبسون الحق ثوب الباطل ولا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير. الموت صرخة ومسار وقرار وخيار..!
سيرفعون عنا ظلم الحكومة الفاسدة شرط أن نموت أولاً!!
يحدوهم فهم مقلوب للحياة والحرية والحق.
توعدوا الدولة واستدعوا الميليشيات وأشهروا السلاح وقطعوا الطريق العام وأغلقوا مؤسسات الخدمة العامة وبعد نحو شهر من مدنية السلاح وتهديد الدولة والمجتمع تذكروا الشارة الصفراء.. لكن وقبل أن تحل الحمراء مكانها اندلقت محبرة الدم.. كان هذا الطراز الثوري المطور يحاكي تجربة (توكل كرمان) الإخوانية 2011، ولا يفعل شيئا آخر غير هذا..
قلنا لهم. صنعاء من غير اليمن ذكرى على طابع بريدي فلم يستوعبوا الرسالة.
راهنا على عقلائهم لكن على قلوب أقفالها.
سال الدم وقال قائلهم (ملثمون ظهروا فجأة وأطلقوا الرصاص إلى صدورنا..).
ندين القتل خارج القانون ونعده إرهاباً ولكن، كيف غابت صورة الطرف الثالث عن عيونهم التي غشاها الرمد..؟
كيف لم يقرؤوا هذا من نصائح المشفقين وحث الحريصين..؟ كيف لم يدركوا خطورة الأمر عليهم وعلى القضايا المطلبية المشروعة، التي ينادون بها وعلى استقرار وطمأنينة ما يقارب 3 ملايين من سكان العاصمة.
كيف فاتتهم الفطنة ولم يدركوا أن التهديد ورهان السلاح سيفتح الطريق على مصراعيه لكل فصائل الإغواء والتطرف..
هم أصحاب رسالة ودعاة حق وذوو مظلمة لم تنقشع..!
هكذا تصورنا الأمر.. لكنهم اعترضوا قناعاتنا وتكفلوا بإثبات العكس.
أوهام النصر تلازمهم من غير أن يسأل أحدهم نفسه على من..؟ وكيف..؟ وأين..؟
من فقه السرداب إلى بطولة الكهوف.. إلى عاصمة الدولة ودحباشية الاستقواء بالفوضى على رئيس جمهورية يحارب على كل الجبهات وتتناوشه مؤامرات الأطراف المأزومة والمشاريع الخائبة!
المغامرون لا ينسجون الأحلام الكبرى وليسوا أهلا لتبني القضايا العادلة أو المطالب المشروعة.
أنصار الله الحوثيون بحلفهم السيئ مع الرئيس السابق على مفترق طرق وواجبنا الوطني والديني الأخذ بأيديهم إلى كلمة سواء، ولا يبدو ذلك ممكناً دون العلاج بصدمات الوعي والشدة في إسداء النصح..؟
لديهم ثلاثة خيارات.
انتهاج العمل السياسي في خدمة تحديات الحياة والمشاركة في إنتاج قيم الدولة اليمنية الضامنة لحقوق المواطنة وواجباتها، والإقلاع عن ثقافة الحرب ولغة التهديد ومنطق السلاح، وبهذا تصبح تجربتهم الماضية جزءاً من واقع استثنائي أجبروا عليه إما دفاعاً عن النفس أو دفعاً لإجحاف حكومي في حق الشعب وتصدروا مسؤولية مقاومته حد التضحية بالنفس ثم آثروا الانتقال من سجال المواجهة والعنف إلى النضال السلمي بقواعده الحضارية المعلومة.. هذا ما يفترض بهم القيام به فورا، أما إذا اختاروا المكابرة اعتماداً على وهم الانتصار.. انتصارهم (هم) كجماعة عنف فإن الثمن لن يكون التخلص من الحكومة ولا تنفيذ مقررات الحوار الوطني ولا إلغاء الإصلاحات السعرية للمشتقات النفطية، ولا حتى الاستيلاء على السلطة ولكن تدشين شلالات من الدماء وتوقف الحاجة إلى النفط بتوقف حركة الحياة الاعتيادية للمواطنين ومن ثم الإجهاز على الوحدة اليمنية ووقوف المنتصر على الأطلال مدوناً شهادة وفاته من ذاكرة التاريخ..
ثالث الخيارات لا حاجة إلى من يطلب منهم التفكير في آثاره السلبية على فرصهم السياسية المشرعة على المستقبل مع إدراكي بأن للسياسة مهارات لا تكتسب بالتعلم عن بعد.؟
ثم ماذا بعد.. وما العمل إذا انحسرت فرص وقف مرافعات السلاح وغالى الحوثيون في تقدير النتائج الكارثية لمواقفهم العدوانية..؟
هل مجرد الوصول إلى تسوية تعالج الحصار المضروب حول عاصمة الدولة سينهي المشكلة.. أم أننا بصدد ظاهرة خطيرة تتطلب البحث في جذورها البعيدة قبل أعراضها الآنية ودراسة وتحليل علاقاتها الإقليمية قبل تفحص جيناتها الداخلية؟ شأن ظاهرة الإخوان وميليشياتها المتغلغلة في أوساط المؤسستين الأمنية والعسكرية؟.
أسئلة شائكة تثيرها تطورات الأوضاع على الساحة اليمنية وعلى سبيل المثال لماذا صدم المتابعون للشأن اليمني من تحالف الرئيس السابق مع الحوثيين في الوقت الراهن، ولم يرتابوا من سيناريوهات الحروب الستة، التي أنجزت الخبرة وترسانات السلاح.. وهل كانت الأصوات الانتخابية الممنوحة للرئيس صالح سبتمبر 2006 في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وبذلك الإجماع الكاسح الذي لم يحزه الرجل في مديرية (سنحان) موطن ولادته مجرد صدفة ساقتها الأقدار دهاقاً بين راحتيه أم ترجمة مكتملة الدلالة لما أسفرت عنه وقائع حصار العاصمة.. على عكس موقف الجماعة الحوثية ومقاطعتها الكاملة لانتخاب الرئيس التوافقي الجديد دون الحاجة إلى مظلمة تبرر مقاطعتهم.
أعاود الطواف حول هذه الأسئلة في تناوله لاحقا لكني أؤثر التمهيد بسؤال ملح.. ماذا عن الرئيس هادي الذي تتجاذبه قوى الصراع وكلما عجز طرف عن استقطابه بغية الانفراد بالسلطة لمواجهة الآخرين نصب فخا للإيقاع به مما جعل منه – الرئيس – هدفاً مشتركا لمختلف البؤر ولا غرابة أن نسمع الاتهامات نفسها التي كالها الإخوان المسلمون قبل بضعة أسابيع تردد من قيادات الحركة الحوثية في الوقت الراهن؟.
صحيح أن أوجه قصور عديدة شابت أداءاته وكشفت ضعف مطبخه الرئاسي ويمارس سلطاته فوق كثبان الرمال المتحركة فيما تلقى على كاهله مسؤولية بناء دولة بمعاول هدم وأدوات كيد.. وهو فوق ذلك يخوض أكثر من حرب في وقت معا وبإمكانات اقتصادية مكشوفة وحكومة خارج الصلاحية.
فمتى يقرأ أشقاؤنا في الخليج أوضاع اليمن وأوجاعه على نحو أفضل؟