فقدت إسرائيل تعاطف العالم الغربي، عندما اختطفت الفتى الفلسطيني محمد أبوخضير ذا الـ16 عاما في القدس، ومن ثم قامت بتعذيبه وحرقه حتى الموت، في عملية انتقامية بشعة
في 31 أغسطس المنصرم أعلنت إسرائيل عن أكبر مصادرة للأراضي الفلسطينية منذ الثمانينات. وجاء إعلان المصادرة بعد أقل من أسبوع من الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، حيث أعلنت الإدارة المدنية الإسرائيلية عن مصادرة 990 فداناً تحيط بخمس مدن فلسطينية في الضفة الغربية، لتكون أراضي للدولة العبرية. ووصفت وزارة الخارجية الأميركية هذه الخطوة بأنها ستؤدي إلى نتائج عكسية لهدف إسرائيل المُعلن بالتوصل لحل يقوم على أساس الدولتين، من خلال التفاوض مع الفلسطينيين، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
ومن جانبه، طالب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن تتخذ إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل بشأن توسيع المستوطنات غير الشرعية. وقال عريقات لوكالة الأنباء الفرنسية إن الحكومة الإسرائيلية ترتكب جرائم متنوعة ضد الشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة. فيجب على المجتمع الدولي محاسبة إسرائيل في أقرب وقت ممكن على جرائهما وغاراتها ضد شعبنا في غزة، وعلى نشاطها الاستيطاني المستمر في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وأصدرت منظمة السلام الآن بياناً قالت فيه: إن الحكومة الإسرائيلية بإعلانها ضم 4 آلاف دونم أخرى ضمن أملاك الدولة، يُعد بمثابة طعنة في ظهر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وغيره من القوى الفلسطينية المعتدلة، ويُثبت مرة أخرى أن إسرائيل تريد فعلاً الدفع نحو رؤية الدولة الواحدة.. وإذا سمحت واشنطن بهذا التوسع الاستيطاني الانتقامي الأخير بالاستمرار؛ فإننا سنتوقع المزيد من الدم، والمزيد من المآسي.
ليس من المستغرب أن نرى نتنياهو يتخذ خطوة دراماتيكية ضد الفلسطينيين بعد كارثة حرب غزة. ففي 25 أغسطس الماضي هبط مستوى تأييد الإسرائيليين لنتنياهو إلى 38% من 82%، بينما لم يمُر سوى أسبوع واحد من غزو قطاع غزة، فضلاً عن انتقاد أعضاء الجناح اليميني المتحالفين معه.
خلال حرب الـ50 يوماً، شجب نتنياهو بعنف عملية اختطاف حماس لثلاثة من الشباب اليهود، وقال إنه يرى أ، حماس تماثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، علماً بأن هذا الرأي قد تلاشى في واشنطن وأوروبا وغيرهما من عواصم العالم.
بينما يُعد وزير الدفاع موشيه يعلون أكبر مدافع عن بيبي (نتنياهو) في حربه على غزة، إلا أن وزير الخارجية في الحكومة نفسها، أفيجدور ليبرمان، ينتقد بشكل متواصل سياسة رئيس الوزراء نتنياهو. ففي مقابلة مع القناة الإسرائيلية الأولى، قال ليبرمان: إن حقيقة صمود مجموعة إرهابية قوامها 20 ألف مقاتل لمدة 50 يوما أمام أقوى جيش في الشرق الأوسط، أمر يزعجني كثيراً.
هكذا عاد نتنياهو الآن إلى قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية، قبل بدء العمل العسكري بالضربات الجوية المكثفة في غزة يوم 8 يوليو، ونفذت القوات الإسرائيلية واحدة من أكبر الغارات التي لم تحدث منذ عام 2002، هي عملية السور الواقي التي نفذت بزعم البحث عن ثلاثة من الشباب اليهود المستوطنين اختفوا في 12 يونيو الماضي. وعلى الفور، أعلن نتنياهو أن حركة حماس مسؤولة عن اختطافهم. وخلال 48 ساعة من اختفائهم كان نتنياهو قد اجتاح مناطق الضفة الغربية بشكل واسع النطاق، بحجة البحث عن الشباب المختطفين، في حين أن حكومة نتنياهو تعرف سلفا أن الشباب قد تم قتلهم. وكانت فكرة عملية البحث تهدف فقط لتكثيف الحملات.
وبحلول 23 يونيو، كانت السلطات الإسرائيلية قد اعتقلت أكثر من 500 فلسطيني، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني (عضو حركة حماس)، وخمسة من أعضاء البرلمان. وفي العادة تقوم فرق البحث التابعة للجيش الإسرائيلي بالقبض على الفلسطينيين المدنيين والزج بهم في السجن، كجزء من عمليات ما يسمى بـالليل والضباب، أي عمليات منتصف الليل. ولقد تسبب قتل خمسة فلسطينيين، من بينهم أطفال، أثناء مداهمات الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية، في إشعال جو من الرعب والحقد والانتقام.
وفقدت إسرائيل تعاطف العالم الغربي، عندما اختطفت يوم 2 يوليو الفتى الفلسطيني محمد أبوخضير (16 عاماً) في القدس، ومن ثم تعذيبه وحرقه حتى الموت، في عملية انتقامية بشعة. لقد طغت جرائم القتل المأساوية من شباب الجانبين على حرب غزة، حيث أدى سلوك القوات الإسرائيلية إلى قتل المئات من الأطفال الفلسطينيين الأبرياء في الفترة ما بين 8 يوليو و28 أغسطس المنصرم.
ووفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن قضية خطف وقتل المستوطنين الشباب هي التي أدت إلى التوسعة الجديدة للمستوطنات. وقال راديو الجيش الإسرائيلي إن مصادرة الأراضي جاءت رداً على اختطاف ثلاثة من المراهقين اليهود نفذه نشطاء من حركة حماس في المنطقة يونيو الماضي.
إن السماح بهذا التوسع سيؤدي بلا شك إلى إذكاء نفوذ اليمين وإلى العنف العنصري الذي تفرزه المستوطنات. تبين السجلات، بما لا يقبل الجدل، أن مستوطنة جوش عتصيون هي واحدة من أكثر المستوطنات اليهودية المتشددة في الضفة الغربية. في عام 2012، ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن مستوطني جوش عتصيون يقدمون تدريبات إطلاق النار للسياح الأميركيين اليهود في إسرائيل. وفي 18 يونيو 2012، نشرت الصحيفة مقالاً بعنوان السياحة صدمة الصهيونية، ذكرت فيه: يسعى السياح لشيء أكثر إثارة من الجولات المعتادة للمقدسات والحفريات الأثرية، وبالوقوف على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، يمكن مشاهدة الكتلة الاستيطانية جوش عتصيون، حيث يقوم المدربون بإطلاق النار من العيار3 لتعليمهم كيفية محاربة الإرهابيين.
قال ميشيل براون (40 عاماً) من ولاية ميامي الأميركية، لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، إنه وصل جوش عتصيون بصحبة مجموعة مع أولاده لغرس القيم في نفوسهم، حتى ابنه تمارا (5 سنوات) شارك في إطلاق النار من سلاح حقيقي على أهداف من طين وضعت على جدار. وفي لقاء مع صحيفة يديعوت أحرونوت أيضاً، قال رئيس المجلس الإقليمي لجوش عتصيون، دافيد ي بيرل، إن تجربة مثل هذه.. يمكن أن تؤدي إلى الاعتراف في جميع أنحاء العالم بأن جوش عتصيون تمثل لؤلؤة السياحة!