في الغالب، سيمر هذا اليوم على الكثيرين دون أن ينتبهوا أنه، وفي مثل هذا اليوم قبل ثلاثة عشر عاما بالتمام، تغير العالم بالكامل. وعندما أقول إنه تغيير فإني لا أبالغ، فكل ما تلى صباح الحادي عشر من سبتمبر في كل من نيويورك وواشنطن من أحداث إرهابية أثر بشكل مفصلي في السياسة الدولية، التي تحكم من خلالها العلاقات. فانهارت دول، وتغيرت أنظمة، وتبدلت حدود، وتكونت تحالفات جديدة، فأصبح بعض الأصدقاء أعداء، وأصبح أعداء الماضي ركيزة أساسية في انتصارات اليوم.
أحداث سبتمبر خلقت سياسيا وإعلاميا بعبع القاعدة على اعتبار أنه البداية الفعلية للإرهاب الدولي، فبتنا نحسب في خططنا الأمنية والسياسية كيف يمكن لنا محاربة هذا الخطر القادم من الخارج، وهو الذي نشأ من مكونات ـ ليست بالضرورة ـ غريبة عنا، ولكنها مشوشة ومشوهة وخارجة على المثل الوسطية التي أحببنا أن نصف أنفسها بها.
المخيف والمحزن أن أثر الإجرام القاعدي الذي كان الذريعة التي من خلالها تم إعادة رسم الخارطة الدولية، وإعادة تعريف الأخلاقيات، هو أنه لم يتم التغلب عليه أو الحد من تأثيره، خاصة بعد مقتل قادته وتفتيت التماسك الجغرافي، بل ولد لنا من رحم هذه القاعدة التي تعد بالمقارنة معتدلة، ولد بعبع جديد أشد فتكا وإجراما متمثلا في داعش وجبهات الجهاد والقتل على الهوية.
أميركا كعادتها في إدارة أي أزمة تعمل على بناء تحالفات دولية؛ لتحمل جزءا من التكلفة في جانب، ولضمان التحرك على الأرض والدعم الأممي الذي يكفل لها الغطاء القانوني للتحرك، ونشر جحافلها المدججة بالصواريخ، وهو تماما ما قامت به مؤخرا عبر سعيها إلى تحالف دولي لمواجهة تنظيم داعش وبمشاركة أكثر من أربعين دولة منها دول الخليج والسعودية تحديدا.
يصح لنا القول إن الأميركان أبلغ من ينطبق عليهم مقولة: أقولّه ثور يقول احلبوه، فمنذ أن ظهر خطر هذا التنظيم كانت السعودية وغيرها من دول الخليج التي تعي خطورة الطائفية في المنطقة، وتعمل على إقناع القوى العظمى بأهمية القضاء على مواطن التوتر الطائفي؛ لضمان عدم استيلاد قواعد جديدة، خاصة في سورية والعراق، وهو تماما ما أصبح واقعا بعد استفحال خطر مجرمي دولة داعش الإجرامية.
ما يقلقني فعلا، أن ينتظر العالم حدوث أحداث سبتمبر داعشية جديدة؛ كي يتحرك بالشكل الصحيح، وهو الأمر الذي إن تم، فإنه من المؤكد أن الكثير سيدفعون الثمن، ولن تكون تأثيراته ـ للأسف ـ بعيدة عنا.