اللواء الركن بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود

طالعت باهتمام شديد، برقية خادم الحرمين الشريفين، الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه وأدام عليه لباس الصحة والعافية، التي وجهها لأخيه المشير عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، يهنئه فيها بفوزه في الانتخابات الرئاسية.
وصحيح أن ما جاء فيها من معانٍ سامية، ومحبة صادقة لمصر وأهلها وقيادتها، أمر يعرفه الجميع عن هذا الرجل الصالح، الذي ينشد الخير والمحبة والسلام للعالم أجمع. فقد سمعناه يؤكد في كل أحاديثه، حتى قبل ولايته للعهد، أن العالم العربي والإسلامي يجب أن يكون وحدة واحدة، يساعد بعضه بعضاً في عالم تسارعت فيه وتيرة الشر بشكل مزعج. ويرى أن دولة عربية إسلامية مهمة، مثل مصر، يجب أن يكون لها دور مهم في تحقيق الخير والاستقرار والأمن والسلام في العالم كله، فهي واسطة عقد العروبة.
ولهذا، سوف يدرك كل من يراجع خطبه وكلماته ويقرؤها بعين فاحصة، تأكيده حفظه الله، على دور مصر المحوري في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي في استقرار العالم. وسوف أسوق هنا بعض نماذج لأحاديثه عن مصر وتأكيده لأهميتها وحرصه عليها وعلى شعبها، وإدراكه لثقلها السياسي، وما يمكن أن تضطلع به من دور مهم إذا صلحت النوايا.
أكد، حفظه الله، في حديث له لوكالة الأنباء الكويتية في 17/2/1404هـ، أن: (الشعب المصري شعب أصيل في عروبته، أصيل في إسلامه، أصيل في تحسسه وجميع أشقائه من شعوب الأمة العربية، ولا يمكن لنا أن ننسى ما لمصر من وزن بشري وقدرة عسكرية، ومكانة في تاريخنا العربي) مضيفاً: (لا خلاف أن للشقيقة مصر مركزا إسلاميا مرموقا ووزنا عربيا متميزا).
ويتواصل تأكيد خادم الحرمين الشريفين لدور مصر الرائد في كل مناسبة تقريبا، إذ أكد في حديث له لصحيفة السياسة الكويتية في 22/5/1408هـ، أثناء انعقاد القمة الثامنة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي أن: ( مصر كانت، وما تزال وستبقى، في غاية الأهمية بالنسبة للعروبة والعرب، وبالنسبة للإسلام والمسلمين، فالعروبة تتكامل وتكتمل بمصر، ومصر لا تتكامل ولا تكتمل إلا بالعروبة، والإسلام، وإن ما يربطنا بمصر ليس برباط مصلحة أو ظروف، ولا حتى جوار، بل إنه وشيجة الأخوة الصادقة في الضراء قبل السراء).
والحقيقة، اهتمام قادة هذه البلاد الطاهرة، بالعالمين العربي والإسلامي، ليس وليد لحظة محددة، أو سعياً لتحقيق مصلحة ما، بل هو سياسة راسخة ثابتة ترتكز على دستورها القائم على الكتاب والسنَّة، ومسؤولية مشتركة تسعى لتحقيق الخير للجميع، غير قابلة للعبة التوازنات السياسية والمصالح الشخصية الضيقة. وتجد هذا التوجه راسخاً في مفهوم كل قادة هذه البلاد. كما أكد خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله ورعاه، لصحيفة أخبار الأسبوع الأردنية في 11/7/1409هـ: ( إن سياسة المملكة العربية السعودية، منذ اليوم الأول لتجسيدها في الميدان الدولي، كانت ولا تزال، تتبع دون كلل أو ملل، هدفاً واحداً، هو وحدة العرب هدفاً وصفاً، لإيماننا الراسخ بأن الوحدة هي سبيلنا إلى كل رفعة وخير). ويضيف في تصريح له في الدوحة، أثناء اجتماعات الدورة السابعة عشرة لمجلس التعاون، في 26/7/1417: (نحن في هذا الجزء المهم من العالم العربي والإسلامي، ركاب سفينة واحدة، وأهل بيت واحد، لا مكان لنا ولا زمان في ذاكرة التاريخ خارج هذا الواقع، حقيقة ثابتة لا نحسبها على الذكريات، بل يتمثل فيها فهمنا للواقع ولمستجدات العصر وتبدلاته). ويؤكد سياسة بلادنا لسفراء الدول العربية والإسلامية المعتمدين لدى بكين خلال استقباله لهم عند زيارته الصين في 27/6/1419: (الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده، قد نذروا أنفسهم خداماً للأمة الإسلامية وللأمة العربية، ولهذا لا يمكن أن نخطو خطوة للمملكة العربية السعودية فقط، فكلكم معنا جميعاً، إسلامياً وعربياً).
وثمة أمر هنا غاية في الأهمية، يجب التنبيه إليه، إذا إن قادتنا حفظهم الله، لا يرهنون هذا الدور وتلك المسؤولية بهذا الزعيم أو ذاك، لأنهم يرون أن تلك شؤون داخلية لكل دولة، لشعبها الحق في أن تنصب هذا حاكماً عليها أو تخلع ذاك، فالأمر عندهم يتعلق بإرادة الشعوب والأمة كلها، فهي التي تقرر من يحكمها من بين أبنائها. وهذا أمر جلي في سياستهم مع الجميع. وكلنا نذكر جيداً تحذير خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه المدوي، الذي أطلقه يوم ثورة 25 من يناير في مصر على الرئيس الأسبق حسني مبارك: (لا مساومة على أمن مصر واستقرارها). وكرر الشيء ذاته، لأنه مبدأ راسخ في تفكيره ومسؤوليته، يوم اندلعت أحداث الثلاثين من يونيو التي انتهت بخلع الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، واستيلاء الجيش على الحكم: (لا مساومة على أمن مصر واستقرارها).
ويتأكد إيمان قائد مسيرتنا حفظه الله، بوحدة مصير الشعوب وحقها في تسيير أمورها في كل أحاديثه، استدل هنا بنموذج واحد من إجابته عن سؤال لمجلة الحدث الفرنسية في 2/5/1405: ( إن رؤية أولئك الذين يعتقدون بأن العالم العربي في حال من تدهور مصيري لهي رؤية خاطئة، فالخلافات السائدة بين الحكومات العربية هي أعراض وليست بجوهر، فالجوهر هو الأمة العربية، ولا شك أن المتأمل في أوضاع الأمة العربية وفي أحوال شعوبها، يلمس أن الشعوب العربية تزداد كل يوم تقارباً وتمازجاً وتفاعلاً، وبالتالي تعاوناً وتوافقاً وتماسكاً).
وفي هذا السياق، يمكن فهم إشادة الشعب المصري بكل شرائحه، بمضمون البرقية التي بعثها خادم الحرمين الشريفين للرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي، التي أقول عنها إنها وثيقة شاملة للحكم والإدارة.
وكما أسلفت، شواهد اهتمام قادتنا وقناعتهم بوحدة هدف الأمة العربية والإسلامية ومصيرهما، لا تعد ولا تحصى.
أعود مؤكداً من جديد، أن سياسة قادتنا الأماجد حفظهم الله ورعاهم، ليس تجاه مصر وحدها فحسب، بل تجاه الأمتين العربية والإسلامية، مستمدة من دستور بلادنا القائم على الكتاب والسنَّة الذي يؤكد أن الإسلام أعظم رسالة إصلاحية عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل ؛ ولهذا سوف نظل ننشد الخير والمحبة والعدل والأمن والسلام لإخوتنا في كل مكان، بل للعالم كله.
غير أنني أرى أن برقية خادم الحرمين الشريفين تلك، للمشير عبدالفتاح السيسي، اشتملت على أمرين غاية في الأهمية، لا بد أن الجميع توقف عندهما، وتأملهما بإعجاب شديد وتقدير كبير لهذا الرجل الصالح، عبدالله بن عبدالعزيز.
الأول : الدعوة التي وجهها حفظه الله، للجميع إلى عقد مؤتمر لأشقاء مصر وأصدقائها لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية، وتأكيده على أنه لا مكان بيننا لكل من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر، بفضل من الله. وسوف يجد كل متخاذل نفسه وحيداً إذا ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات. مناشداً الجميع عدم التدخل في شؤون مصر الداخلية. وهو إذ يبادر إلى الدعوة لهذا المؤتمر، يدرك جيداً أن جميع مؤتمرات المانحين التي سبقت الدعوة إليها في العالم، كانت للاستهلاك الإعلامي، وتحقيق مكاسب سياسية رخيصة على حساب الشعوب، والأمثلة حولنا تجل عن الحصر.
أما الأمر الثاني من جملة الأمور المهمة التي اشتملت عليها تلك البرقية الوثيقة، يتمثل في صدقه حفظه الله ورعاه، ووضوحه وعدم مجاملته في الحق، وهي أمور عرفها الجميع عنه، لأنها تمثل أهم مبادئ حياته، ويتضح هذا من خلال عدة نقاط وجهها لأخيه المشير السيسي، ليس من باب النصح والتوجيه، بل من باب الصدق والمحبة والإخلاص، والتجربة الثرة في الحكم والإدارة: ففي البداية يذكِّره بحق شعب بلاده عليه، الذي أتى به إلى السلطة : يسرنا أن نهنئكم بالثقة الكريمة لشعب أودعكم آماله وطموحاته وأحلامه.
فاللهم احفظ قادتنا الأماجد، ومتعهم بالصحة والعافية، ليظلوا سنداً قوياً لإخوتهم في العروبة والإسلام، ورافداً مهماً لخير البشرية في كل مكان.