من الضرورة التفكير في أهمية وجود صالات سينما بالمملكة، نستطيع من خلالها بناء صناعة فنيّة قوية، تكون إحدى وسائل بناء المجتمع وحل مشكلاته، وكذلك التسويق للمملكة وثقافتها
ليس بالأمر الجديد القول بأن صناعة الترفية الأميركية وبالذات التلفزيون والسينما هي الأولى ليس فقط في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، بل في العالم أجمع، ولكن ما رأيك بالقول إن صناعة الترفية بالمملكة مؤهلة لأن تكون الأولى في الدول الناطقة باللغة العربية والعالم الإسلامي أجمع!
قد يستغرب البعض هذا الافتراض، ولكنه صحيح نظرياً وعملياً، بيد أن ما يمنع حدوثه هو وجود بعض العقبات الاجتماعية والصعوبات النظامية وندرة القوى البشرية وغيرها، ذلك أن أسباب انتشار وازدهار صناعة الترفية الأميركية للناطقين باللغة الإنجليزية موجودة بالضبط في المملكة لما يختص بجمهور المتحدثين باللغة العربية! إذ يعتقد الخبراء أن نجاح وانتشار محتوى الترفية الأميركي يعود في سببه الأساسي إلى ازدهار صناعة الترفية بحد ذاتها، والذي كان نتيجة لسببين اثنين لا ثالث لهما، الأول: التعداد السكاني الهائل للولايات المتحدة الأميركية، الذي تجاوز الثلاثمئة مليون فرد منذ سنوات، أما الثاني فهو ارتفاع القوة الشرائية لهذا الجمهور الضخم. وبالتالي أدى اجتماع هذين السببين في آن واحد إلى توافر أسباب النجاح المادي لأي منتج فني يمتلك أسباب النجاح الجماهيري، مما جعل الصناعة تتطور وتتوسع بشكل لا يصدق، وجعلها تتحول من مجرد صناعة صغيرة ضيقة إلى صناعة واسعة تتداخل مع صناعات أخرى، وأضحت إحدى سمات القوة الناعمة للولايات المتحدة.
ولك أن تقارن بين إنتاج فيلم أكشن أو مسلسل درامي أميركي وآخر أسترالي أو بريطاني - أي من الدول الناطقة بالإنجليزية -، لتجد أن المنتج الأميركي قادرٌ بسهولة على استعادة تكاليفه الباهظة خلال مدة قصيرة، على عكس أي منتج فني في الدول الأخرى الناطقة بالإنجليزية، ناهيك عن توسع السوق الأميركي ليشمل كافة المنتجات الأخرى من كتب وملصقات وأغان وحفلات، مما يجعل نجاح أي منتج فني فرصة أوسع لنجاح منتجات أخرى معتمدة عليه، وهكذا دواليك مما أدى تضخم الصناعة، وأن تصبح جزءاً أصيلاً من الثقافة والاقتصاد المحلي، ووسيلة لفرض السيطرة الأميركية في كافة مناحي الحياة.
هنا في المملكة نمتلك ميزة تنافسية – غير مستغلة - لا توجد في أي دولة ناطقة باللغة العربية، وهي التعداد السكاني الكبير والقوة الشرائية الهائلة، مقارنة بالدول العربية الأخرى، كمصر التي تتميز بالتعداد السكاني الكبير، ولكن دون القوة الشرائية الكبرى، أو دول الخليج العربي التي تتميز بالقوة الشرائية المرتفعة ولكن دون التعداد السكاني الكبير؛ من هنا تصبح المملكة الدولة العربية الواحدة التي تمتلك هتين الميزتين في آن واحد، ولنا في تجربة نجوم الغناء السعوديين مثالٌ واضح، حيث ازدهرت هذه الصناعة نظراً لوجود سوق الكاسيت سابقاً، بل كان نجوم الغناء الخليجي والعربي يعتمدون على مبيعات السوق السعودي أولاً قبل دخول القنوات الفضائية ومنافسة الإنترنت. بينما في الجانب المقابل لم تزدهر صناعة الأفلام السينمائية في المملكة، لأنه لا توجد هنا صالات عرض سينما أصلاً! كما هو الحال في صناعة الفنون المسرحية، التي تعاني من غياب المسارح المؤهلة وكثرة المحاذير الاجتماعية، مما جعل مسرحنا السعودي يتقوقع على مسارح المهرجانات الخارجية، وعروض عطلات الأعياد فقط.
لذا يصبح من الضرورة التفكير في أهمية وجود صالات سينما بالمملكة، نستطيع من خلالها بناء صناعة فنيّة قوية، تكون إحدى وسائل بناء المجتمع وحل مشكلاته، وكذلك التسويق للمملكة وثقافتها، تماماً كما تقوم به السينما الأميركية، التي أضحت الصوت الأول للولايات المتحدة وثقافتها، وغني عن القول إن القوة الشرائية بالمملكة قادرة على تنمية نمو هذه الصناعة بشكل متواصل، وكيف لنا ألا نتذكر الأعداد الهائلة من السعوديين التي حضرت عرض فيلم مناحي السعودي في كل من البحرين والإمارات قبل سنوات، أليس من الأفضل أن تدفع تلكم الأموال هنا في المملكة، بدلاً من صرفها خارجها؟
ثم ألا يمكن اعتبار التسارع المتلاحق في توسع سوق المقاطع المرئية في اليوتيوب السعودي، وكذلك توسع منتجات قنوات الاتصال الاجتماعي مؤشراً على ضرورة الاستفادة من هذه التقنيات وغيرها في سبيل بناء صناعة محتوى فني سعودي مميز، بدلاً من اعتمادنا على المبادرات الفردية أو الموسمية، التي تأفل سريعاً، ولا تؤسس لصناعة فنية مستدامة؟
بلادنا مليئة بالمبدعين والمبدعات، ومتخمة برؤس الأموال الضخمة، فلما لا نستفيد من التجربة الناجحة لصناعة الترفية الأميركية، ولما لا تتوحد تلكم الجهود وتنتج صناعة فنية سعودية تعبّر عن واقعنا، وتقدمنا للعالم بالصورة التي نحبها؟