السلوك الإرهابي لا يتفق مع أي موجهات دينية أو إنسانية، إنه افتعال إنساني شاذ وغير قويم، وهو أمر تالٍ للتطرف الذي يقوم على إرادة للتغيير من منـظور لا يتفق مع سائر أتباع الدين
إساءة فهم النص الديني، قولا أو فعلا أو تقريرا، هو العامل الحاسم في انحراف أي فئة مسيئة، لم يحدث ذلك في الدين الإسلامي وحده وإنما أيضا لليهود في توراتهم، والنصارى في إنجيلهم، وفي فترة الحروب الصليبية تم التعامل مع النص الديني بأفكار انحرفت عن سلمية وروح المسيحية، وهو ذات الأمر مع التوراة التي تعرضت للكثير من التزييف عبر التاريخ فأوغلت اليهودية في المادية وأصبحت مثل البلدوزر أو الجرافة التي تجرف أي قيم أو أخلاق إنسانية، فيما احتفظ الإسلام بوسطية بينهما، تعرض عبر التاريخ أيضا لتشويهات وانحرافات من خلال سلوكيات كثير من الجماعات والفرق والمذاهب، على نسق الخوارج ومن على شاكلتهم.
الخروج عن المعنى الديني الأصيل ينتقل بداهة إلى انحراف الفكر نحو أفكار إنسانية جدلية تتعلق بنص مبتور وغير مكتمل، أي الانتقال مباشرة إلى التطرف بوصفه مرضا فكريا لازما للمنهج الديني المنحرف، وحين نغوص في باطن الجماعات المتطرفة نرى أنها تعاملت بانتقائية مع النص.. ذلك غير سليم لأنه ينبت سلسلة متتالية من الأفكار المنبتّة تؤصل لأخطاء في منهجها، وقد فعل ذلك الخوارج وأوصلوا الدين إلى تأسيس جديد غير متوافق تماما مع حقيقة وماهية النص، فوصلنا إلى حالة من تزييف الوعي والتضليل قائمة على العنف كحل نهائي وحاسم للمضي بالسلوك الديني إلى غاياته التي تسلك خطا موازيا مع أي أفكار إنسانية لا يمكن للدين أن يضحّي بها من أجل أن يتسع وينتشر ويضبط أخلاقيات وسلوك البشر.
استعير من حكم مذهب الزن الذي ظهر في القرن السادس الميلادي في الصين والهند اقتباسا يشير إلى أن كل شقاء الناس مصدره أنهم لا يعيشون في العالم ولكن في عالمهم.. ذلك يتفق إلى حد كبير مع طبيعة المتطرفين والإرهابيين ومن يحتمل أن يميل إليهم أو ينحاز إلى سلوكياتهم المدمرة، فهؤلاء جميعا خططوا لعالم خيالي في مخيلتهم منعزل عن الجذر العقدي الذي تفسره النصوص وتبقي على قيم الدين ثابتة بعيدا عن أي إسراف في الأمل بتعزيزه في النفوس على الطريقة التي يرونها أو تقطع رقاب الناس ويصلبون ويرجمون وتنتهك حرماتهم.
السلوك الإرهابي لا يتفق مع أي موجهات دينية أو إنسانية، إنه افتعال إنساني شاذ وغير قويم، وهو أمر تالٍ للتطرف الذي يقوم على إرادة للتغيير من منظور لا يتفق مع سائر أتباع الدين، وعلى سبيل المثال، يبلغ عدد المسلمين في العالم نحو مليار وستمئة مليون شخص، وللعلم فإن نسبة النمو العقدي للإسلام هي الأكبر بين الديانات السماوية والوضعية، فكم يبلغ عدد أولئك المتطرفين الذين يمارسون الإرهاب باسمه؟ عشرة أو عشرين ألفا أو حتى خمسين ألفا، لماذا يصادرون ويختطفون دين المليار ونصفالمليار؟ ذات الأمر بالنسبة للمتطرفين المغالين في اليهودية، إنهم أقل بكثير من بقية اليهود الذين يميلون إلى السلام وربما يمكن اختزالهم في حاخامات وأتباع لا يتجاوزون الآلاف المحدودة ولكنهم حيويون للغاية في صناعة وإنتاج التطرف.
حينما نضع الفكر الديني في مسار الفعل ورد الفعل، فإننا في الواقع نتجه به إلى حالة إقصائية تخضعه لفكرنا الإنساني فقط، ولذلك يمكن لكل من فيه خلل سلوكي أو تشويه نفسي أن يتعامل مع الدين ونصوصه بالقدر الذي يجعله مشروعا لمتطرف يزعم امتلاك الدين.. ذلك غير واقعي وليس منطقيا، ولكنه ينتهي بنا إلى نهايات إرهابية تفجر وتقتل وتستبيح وتصنّف على هواها، فنحصد مثل هذه الانتكاسات التي تقدّم الدين بصورة عدائية وعنيفة لا تستقيم مع مقتضياته ومعطياته المتسامحة، ولذلك من الضروري أن نعزل أولئك المتطرفين في الحجر الصحي الديني ونعيد إليهم النصوص كاملة ومتكاملة غير خاضعة لتفسيراتهم المبتسرة وتأويلاتهم الشاطحة، فالحل فكري والحسم أمني حين يتم التعامل مع نتائج سلبية وإجرامية، بذلك نضع الحصان أمام العربة ونمضي في سلامنا العقدي والاجتماعي والوطني.