سهرت أقنية الإعلام اللبنانية مساء ما قبل البارحة على ما رأت أنه انتصار أمني باهر بالقبض على مواطن من الطائفة الشيعية كان يدير موقعاً متطرفاً يتحدث فيه باسم فصيل سني. وكنت في الحقيقة مستغرباً جداً لمثل هذا الاستقبال الإعلامي على مجرد ما رأيته قصة ثانوية للقبض على فرد يدير موقعاً من بين آلاف مواقع الجرائم الإلكترونية، لولا أنني رأيت أيضاً القصة الخبرية ذاتها على شاشات رصينة أخرى غير لبنانية. والقصة التي اكتشفتها من المتابعة هي: أن فرداً واحداً عبر شبكة هاتف محمول ومن مساحة لا تتجاوز حجم قدميه واقفاً على الشارع استطاع أن يكون زلزالاً لتأجيج الكراهية وضرب الفصائل والمكونات العرقية والمذهبية في بعضها البعض. تحول الفرد وهاتفه الصغير إلى قصة أمنية هائلة وإلى شراكة في كثير من التحريض. من جبل محسن في الشمال إلى وسط بيروت مروراً بكل الأحداث التي مر بها لبنان في العامين الأخيرين منذ ظهور الموقع. وقبل اكتشاف الفرد الأوحد بصدفة نادرة، كان الأمن والإعلام والمجتمع اللبناني تظن أن بينه لواء كاملاً إرهابياً باسم السنة ضد الشيعة. ثم اتهام هذا اللواء بالوقوف خلف عدة تفجيرات وعمليات إرهابية. كان أتباع هذا الموقع بمئات الآلاف، وكان ينمو يومياً بمعدل خمسة آلاف متابع جديد. كان هذا الفرد يستخدم أسماء وهمية للتفاعل بما يزيد عن 300 اسم من أربع دول عربية سنية.
وأنا اليوم لا أكتب قصة لبنانية لا دخل للقارئ المحلي بتفاصيلها ولا بشيء منها. أكتب للعبرة وللتوعية. في القصة برهان واضح على أن الحملات المنتظمة إلكترونياً على وطننا ومجتمعنا وثقافتنا قد تكون لعبة تشابه الأكذوبة اللبنانية ذاتها. قد تكتشف وللذهول، أن بعض القضايا المحلية الصارخة صعوداً في عالمنا الإلكتروني ليست بأكثر من صنيعة مكتب وبضعة موظفين وأجهزة في غرفة صغيرة خارج الحدود. قد أعود اليوم، لما كذبته بالأمس من أن حملة الراتب لا يكفي الحاجة وإن كانت صناعة محلية إلا أن غيرنا قد التقطها واخترق الطابور السعودي المتماسك من أجل إحداث شرخ بين المجتمع وبين حكومته وقيادته وإلا كيف يمكن تفسير صعود الحملة بـ300 ألف مشارك في أقل من يومين. في عوالم الإلكترون صناعات استخباراتية مذهلة ومنها هذا الفرد اللبناني الذي تحول إلى فصيل ولواء وجماعة.