كمن ينحت في الصخر، أو يكتب على الماء، هكذا كانت البداية لمن ينظر إلى السياحة والآثار على أنهما شر محض، وأن مجرد التفكير فيهما قمة الجنون، وتدشينهما في بلد محافظ، يعني فتح أبواب من ردود الفعل المضادة.
عندما كُلف الأمير سلطان بن سلمان، بملف السياحة والآثار بأمر ملكي في مطلع عام 1421، لم يكن هناك تعريف واضح للسياحة، ولا حتى مفهوم دقيـق للآثار، فعمل على إعداد الدراسات وفق إطار عملي رصين، لم يستسلم لسيل الهجوم، وأنهار الإحباطات، فثابر كي يستنهض المجتمع بكل أطيافه؛ للحفاظ على ما هو أثمن من النفط، وهي السياحة والآثار.
المتأمل في رحلة بناء هذه المؤسسة، التي تعد المُصدِرالأول للفرص الوظيفية، وتحتل المرتبة الثانية بعد البنوك في توطين الوظائف، يجد الكثير من الوقائع التي ينبغي أن ينظر إليها بتأمل، وفي مقدمتها إقناع مشايخ وطلبة علم بأن الآثار لا تتعارض مع الإسلام، وأن الحفاظ عليها ثروة وطنية، وواجب على جيل اليوم، وحق للأجيال المقبلة.
يُحسب لرئيس هيئة السياحة والآثار، أنه أحدث تناغما بين المؤسسة الدينية وهيئة السياحة، إذ استطاع أن يزيل الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الآثار، وفي مقدمتها أن السياحة ترف، وبوابة فتنة، وأن الآثار تعني العودة إلى الجاهلية الأولى، فنظم رحلات لأعضاء من هيئة كبار العلماء؛ ليزورا المواقع التاريخية، ويقفوا على الآثار القديمة، ويشاهدوا إرث بلدهم وتاريخه الفريد.
وما إن نجح في ذلك، حتى انتقل إلى وجهة أخرى؛ كي يجعل تراث وطننا العظيم حاضرا لدى الأمم المتقدمة، فعمل على تسجيل الدرعية، ومدائن صالح في قائمة التراث العالمي، وها هو يتأهب الآن وفريق عمله للدفع بملف جدة التاريخي إلى قائمة التراث العالمي اليونيسكو.
استطاع الأمير سلطان بن سلمان أن يضع لنا موطئ قدم في عالم غني بالآثار والمتاحف، وأصبحت كنوز المملكة الأثرية تجوب متاحف العالم شرقا وغربا، ويتكبد مشقة الحضور لها علماء الآثار العالميين، الذين كانوا يهاجموننا في السابق، وتحولت المملكة من بلد متراجع سياحيا إلى وجهة لكبريات الجامعات، وأشهر علماء التنقيب عن الآثار.
واليوم يقود رئيس الهيئة مشروعا لربط 5 ملايين طالب وطالبة بتاريخ بلدهم، ضمن مشروع تَوّجه خادم الحرمين الشريفين بأن أطلق عليه اسم مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتراث الحضاري، وأعيننا تترقب أن يحقق هذا المشروع مؤازرة لربط جيل اليوم بتاريخ بلدهم، فمن ليس له ماض لن يكون له حاضر قط، فتعريف جيل اليوم المهووس بالتقنية وآخر التقليعات بإرث بلدهم وتاريخه المجيد مسؤولية كبيرة.
لم يغفل في زحمة الملفات ما يحتاج إليه السائح المحلي من خدمات وفنادق وطرقات وسياحة خدمات، فخرجت تصريحاته منحازة إلى الواقع، فلم يرتدِ عباءة المسؤول ليقول غير ما يعانيه الإنسان من كبد ومشقة، فكشفت تصريحاته عن الكثير من الحقائق المرة، وحركت المياه الراكدة لدى مؤسسات الدولة، فهو صاحب المقولة الشهيرة: لا يليق بنا كبلد ألا يجد المواطن رحلة جوية تنقله إلى حيث يشاء، وصاحب مقولة: ما تعانيه محطات الطرق من رداءة وسوء في الخدمات تجعلنا وكأننا من أفقر بلاد العالم.