هناك أنظمة متنوعة في كافة أنحاء العالم، والغالب الأعم منها لا يعتمد صرفها على أقساط يدفعها موظفون آخرون، بل تدفع مباشرة لمن يستحقها، وإن كان لا بد لـ'ساند' من أن يستمر، فلمَ لا يدخل فيه موظفو الحكومة؟
للأسف ها هو مشروع ساند يبدأ تطبيقه دون أن تلتفت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لأي رأي مخالف لما تراه، مهما كان صادقاً ومثبتاً بالأدلة والبراهين. وللأسف كتب كثيرون عن الموضوع دون جدوى، إذ سبق أن كتبت هنا قبل ثمانية أشهر مقالاً طويلاً عن ساند، حظي برد طويل من الإعلام التأميني بعد أسبوعين من نشر المقال، لكنه ناقش القشور ولم يتناول النقاط الأساسية التي تناولتها، بيد أنني في هذا المقال لن أعود لما سبق طرحه، بل أضيف نقاطاً جديدة، لعل وعسى أن تكون سبباً في إعادة النظر في تفاصيل ساند وطريقة تمويله.
دعونا نبدأ من الهدف الأساسي من ساند كله، أليس الهدف هو العمل على استقرار دخل الموظف السعودي في القطاع الخاص في حال فصل من عمله؟ لكن ماذا لو صار هذا النظام سبباً جديداً لتشجيع الشركات على فصل السعوديين من أعمالهم، هذا الأمر ليس من خيالي، بل من إجابة رسمية موجودة على الموقع الإلكتروني لمؤسسة التأمينات الاجتماعية!
إذ يقول السؤال إن النظام الحالي لا يسمح للمنشأة بفصل الموظف السعودي. فما فائدة البرنامج؟ أم هل سيفتح النظام الجديد الحرية للمنشأة بفصل الموظف السعودي؟ سؤال جميل ومنطقي، وبالطبع فالإجابة تتكلم عن شيء آخر وهي حالات نادرة تماماً، وهي في الإجابة هناك حالات غير الفصل تمكن المستفيد من الاستفادة من البرنامج مثل إفلاس المنشأة وإقفالها، وبالتالي تسريح جميع عمالتها، أو تسريح المنشآت لبعض عمالتها عند الدخول في الأزمات الاقتصادية وهي حالة لم تعرّف في اللائحة التنفيذية أو تحدد شروطها، لكن الطامة الكبرى تأتي بعد ذلك، إذ تقول الإجابة: من جهة أخرى، صحيح أن النظام الحالي لا يسمح للمنشأة بفصل السعودي إلا من خلال شروط معينة، ولكن قد يكون هذا البرنامج خطوة في طريق إعطاء المنشأة حرية أكثر في استبدال العامل السعودي بعامل سعودي آخر أكثر كفاءة، مما يحقق نوعاً من الحرية في الحركة المطلوبة داخل سوق العمل، طبعاً المقصود هنا: بعد أن ينضم سعودي إلى قوائم العاطلين عن العمل! وينضم أجنبي جديد للعمل في المنشأة، مع العلم أن فصل الموظف تعسفياً لا يدخل في هذا المجال، فهو نزاع محله المحاكم وليس التأمينات الاجتماعية، لكن الإجابة تتواصل بحديث يستهدف رجال الأعمال وليس الموظفين –وهم بالمناسبة الفئة التي يفترض للتأمينات الاجتماعية أن تخدمهم، لا أن تخدم أرباب عملهم-، إذ تقول: والتي تخدم أصحاب الأعمال بطريقة مباشرة، وتحقق التنافس المحمود بين العاملين السعوديين -كيف ذلك، لا أعرف؟- وتستمر الإجابة الطوباية بأن هذا النظام سوف يبني قدرات الكوادر الوطنية، وبالتالي يخدم العاملين السعوديين والمجتمع كافة، ثم تأتي الجُمل المسكنة التي لا معنى لها: ناهيك أيضاً عن أن صرف التعويض خلال الفترة الانتقالية سيعمل كأداة تسهل وتيسر على العامل للانتقال إلى فرصة وظيفية جديدة وهذا كلام غير صحيح تماماً، فليس هناك شخص سوف يترك عمله لينتقل إلى وظيفة جديدة ويستلم تعويض ساند، لأنه وبكل بساطة لا تنطبق عليه الشروط! للأسف هذه الإجابات تبرير بلا معنى، ودفاع المستميت عن مشروع فقد بوصلة اتجاه. للأسف هذه الإجابات تؤكد أن التأمينات استعدت فقط لجمع الأموال، ولم تحاول أن تفكر بكيفية استفادة مشتركيها منها، والإجابات الموجودة على موقعها تؤكد ذلك بكل وضوح.
لكن دعونا نعود إلى الفكرة الأساسية لمشروع ساند، وهي ببساطة تقديم تعويضات البطالة للعاطلين عن العمل، سمها ما شئت، فهي في النهاية تعويضات بطالة، ومن المعروف أن نظام إعانات البطالة بشكله الحديث ظهر في قانون التأمين الوطني بالمملكة المتحدة، الذي دفعت به حكومة رئيس الوزراء هربوت اسكويث عام 1911، ومن المثير أن نعلم هنا أن تلك الوزارة كانت وزارة ذات اتجاه ليبرالي، ولكنها كانت بحاجة لأصوات العمال في ظل تغيرات الثورة الصناعية في المملكة المتحدة في تلك الأثناء، وتزايد معدلات الاستغناء عن العمال.
لكن هذا النظام تطور وتوسع، وصار مع مرور الزمن ممارسة عالمية، بحيث أصبحت تعويضات البطالة جزءاً من مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها، وبالذات في الدول التي يدفع فيها المواطنون ضرائب مباشرة أو غير مباشرة، مثل بريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا، وكما فعلت هنا الدولة –حفظها الله- في مشروع حافز وهو إعانة الباحثين عن العمل، حيث دفعت الدولة كامل الإعانة من أموالها، وليس من أموال العاملين الآخرين، وهو الموجود في كثير من دول العالم وبعضها أقل وفرة مالية من المملكة، ولكنها فضلت تبني خيار أن تتولى الدولة خيار تمويل برامج تعويضات العاطلين عن العمل، نظراً لأثرها الاجتماعي الكبير، ليس على الفرد فقط، بل وحتى كامل المجتمع، كما هو موجود مثلاً في الأرجنتين، التي طورت أنظمة متنوعة لإعانات البطالة، وصلت حتى عوائل من ينقطع عن العمل، أما في أستراليا فتعويضات البطالة التي تصرف يتم استقطاعها من نظام الضرائب العام، أي من الدخل العام للدولة، وليس من رواتب فئة من المواطنين! أما في فنلندا فهناك نظامان متوازيان: الأول وكالة Kela الحكومية، التي تدفع للمتعطل الحد الأدنى من دعم توفير ضروريات الحياة، والآخر نظام تأميني اختياري، حيث يشترك الموظف بملء إرادته في صناديق تأمين بطالة، بينما في فرنسا تتولى وكالة UNEDIC دفع تعويضات البطالة، وهي وكالة تمثل فيها نقابات العمال وأرباب العمل بشكل متساو، لتدفع ثلاثة أنواع من التعويضات المالية، والمهم هنا أن مصادر أموالها متعددة، وأكبرها هم أرباب العمل قبل خصم الضرائب. أما في ألمانيا فهناك نظام تأمين ضد البطالة، يطبق على جميع الموظفين وليس فقط موظفي القطاع الخاص، كما في ساند، بحيث يتشارك الاستقطاع الموظف ورب عمله، بالإضافة إلى حكومات الأقاليم التي تدعم هذه الصناديق كل فترة. بل وصل الأمر في دول الاتحاد الأوروبي إلى أن يستطيع المواطن الأوروبي أن يطالب بإعانة البطالة في آخر دولة عمل فيها، وليست الدولة التي يحمل جنسيتها!
خلاصة الحديث: هناك أنظمة متنوعة في كافة أنحاء العالم، والغالب الأعم منها لا يعتمد صرفها على أقساط يدفعها موظفون آخرون، بل تدفع مباشرة لمن يستحقها، وإن كان لا بد لـساند من أن يستمر، فلمَ لا يدخل فيه موظفو الحكومة، أليسوا موظفين في نهاية الأمر، أم أن أخطاء وتراكمات فشل السعودة في القطاع الخاص سوف يتحملها من يجاهد ليل نهار وسط هذا القطاع؟ أو لكن أكثر واقعية لمَ لا يطبق هذا النظام على موظفي وقياديي التأمينات الاجتماعية أنفسهم، فهم أكثر الناس إيماناً بأهمية هذه الفكرة ودورها في الاستقرار النفسي للموظف!.. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم!