لم يكن رضا لاري ـ رحمه الله ـ كاتبا سعوديا عابرا، كان مؤثرا فاعلا، لكن ظلت مشكلته أن مجتمعه لم يفهمه، أو حتى لم ينصفه، رغم قوة استشرافه للمستقبل، انطلاقا من عين الخبير المدرك لهموم بلاده وما تعاني، وما يتمناه لها.
هنا لن أفرط في الحديث عن الرجل؛ لأن تاريخه الإعلامي كفيل بأن يكفيني ذلك، لكن لن أغفل مقالا من مقالاته الرائعة، كان معبرا، بكل ما تعني الكلمة من معنى عن واقع حدث بعد عقد وأكثر من رؤية لاري، وهو الذي أراد به التحذير فتقافز المدّعون لإقصاء رأيه؛ بل وشتمه والمطالبة بعقابه، وإن كان لاري ليس وحيدا في ذلك، لكن كان الأكثر قربا من هموم وطنه وما يحتاجه.
المقال الشهير الذي كنت أراه وثيقة مهمة في التعامل مع الشباب كتبه محذرا ومنبها مطلع الثمانينات الميلادية، من أن الشباب السعودي بات ينقسم إلى فسطاطين: أحدهما لجأ إلى المتعة والعبث بالسفر المستمر إلى بلاد الامتاع المحرم، ومنه فيه اقترب إلى اللهو وكل ما يذهب العقل، وآخر أصبح شديد التدين رافضا لكل ما يخالف توجهه وفكره المتشدد.
وبتعبير أدق كان الشباب السعودي بين تايلاند وأفغانستان!، وأن في ذلك خطرا كبيرا، لكن لا حياة لمن تنادي، فقد كان المجتمع مشغولا بالطفرة، حتى إن مسؤولينا يقضون الصيف كله أو معظمه في نشر الفضائل خارجيا، ولا عليهم، لترعى الدرعا بالشباب وتختطفه، وماذا كان النتاج لا مبالون تافهون وإرهابيون، كانوا نتاج النسيان وعدم الاحتواء، إلا من رحم ربي وعرف الطريق السوي؟
نعم، تنبهت المملكة إلى هذا الخطر في عهد الوالد عبدالله بن عبدالعزيز، من خلال الاهتمام بالشباب والمناهج ومركز الحوار الوطني والابتعاث الخارجي الراقي توجها وعلما، ومن خلال الفرص الكبيرة للشباب للاندماج مع مجتمعهم والارتقاء به، لكن ظلت المشكلة أن جذور الفساد السابق تطرفا من جهة وانهيارا أخلاقيا من جهة أخرى ظلت حاضرة، حتى بتنا نخشى أن يكون الأمر قد عصي على الطبيب.
ما هو مهم الآن، أن نؤسس للأجيال المقبلة، ولا أهم من التعليم والحذر من المؤثرين السلبيين، نتطلع إلى تعليم يخدم توجهاتنا ويرتقي بها، ولنعترف أولا أن مناهجنا باتت تشكل عبئا على مستقبلنا، وعليه وفيه فلنستفد من تجارب الآخرين، خاصة أولئك الذين اكتشفوا أن مناهجهم الدراسية لن تقودهم إلا إلى الفشل، والتاريخ يحكي لنا أن سيدة العالم الآن أميركا قد عرفت ذلك في عام 1957، حينما أطلق السوفييت أول مركبة فضائية، ماذا عمل الأميركيون أقروا بضعف مخارج التعليم لديهم، فكان أن دعوا إلى مؤتمر وطني حضره المهني والأكاديمي وذو الصنعة والمعلم، ولأنهم أحسنوا الاختيار وتبني التوجهات، فكان أن عادوا إلى الأفضلية تعليما وفكرا.
لا نريد أن نكون كأميركا، لكن فقط أن نطور ونحمي شبابنا، أن نتعلم ونستمع لذوي العقول النيرة، كما كان رضا لاري رحمه الله.