تحاول أستراليا جاهدة اجتذاب السياح، دون نجاح، فأكثرهم يتجهون لدول أخرى، أتفهم أنها ما زالت بحاجة لبذل المزيد لاجتذابهم، فلا يكفي أن تكون أجمل بقاع العالم، إذا لم توفر للسياح التسهيلات الكافية

منذ عام 2010، تبنت هيئة السياحة الأسترالية شعار ليس لأستراليا مثيل في حملاتها الدعائية للسياحة في أستراليا، وهو شعار دقيق، إذ تظهر الحملة أفضل ما تقدمه أستراليا من معالم سياحية تعد بالآلاف، فهناك ألف سبب وسبب لزيارة هذه البلاد، من المعجزات الطبيعية مثل ساحل الذهب وساحل الشمس بريزبين، والجرف المرجاني الكبير كيرنز، وغابات المطر الاستوائية كوراندا، والإنجازات المعمارية مثل مبنى الأوبرا سيدني، كما رأيت خلال سفري في تلك الأنحاء، فالإعلانات دقيقة حين تعرض جمال وروعة أستراليا، ولكنها لا تتحدث عن نقص الخدمات السياحية في هذه البلاد.
أكتب هذا الأسبوع من المقاطعة الشمالية، وهي منطقة شبه صحراوية مترامية الأطراف، قليلة السكان. وهي وإن كانت متخلفة في النمو الاقتصادي عن بقية أنحاء أستراليا، فإنها غنية بالتنوع الثقافي والجمال الطبيعي، وتوجد فيها صخرة أولورو الكبرى، أحد الأماكن المقدسة لدى السكان الأصليين.
وتحاول أستراليا جاهدة اجتذاب السياح، دون نجاح، فأكثرهم يتجهون لدول أخرى، وفي ضوء الفترة التي قضيتها، فإنني أتفهم أنها ما زالت بحاجة لبذل المزيد لاجتذابهم، فلا يكفي أن تكون أجمل بقاع العالم إذا لم توفر للسياح التسهيلات الكافية.
وحسب الإحصاءات الرسمية، بلغ عدد السياح القادمين لأستراليا (6.6) ملايين في عام 2013-2014، وينتظر أن يصل عددهم إلى سبعة ملايين في 2014-2015، وهي أرقام لا يمكن مقارنتها بعدد السياح الذين يزورون الولايات المتحدة أو فرنسا أو إسبانيا مثلاً، بل لا تتجاوز ربع عدد السياح إلى بلد صغير مثل النمسا.
وقد يقال إن أستراليا قليلة الزوار بسبب بعدها الجغرافي، ولكن بعض جيرانها الأصغر حجماً وأقل إمكانات يحظون بعدد أكبر من السياح، حيث يزور سنغافورة، مثلاً، ضعف سياح أستراليا، أما هونج كونج فيزورها أربعة أضعاف سياح أستراليا سنوياً.
ويسهم قطاع السياحة إسهاماً متواضعاً (نحو 5 بالمئة) في الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه يوفر نحو نصف مليون وظيفة. فبالإضافة إلى السياح الأجانب، الذين يضخون نحو (30) مليار دولار، هناك سياحة داخلية أكبر حجماً، تبلغ مساهمتها نحو (40-70) مليار دولار. وأظهرت دراسة حديثة مستقلة أن السياحة أحد أهم القطاعات في توفير الوظائف خلال السنوات العشرين القادمة.
ولهذه الأسباب احتج ممثلو قطاع السياحة على ما يعتبرونه إجحافاً من قبل الحكومة الحالية التي وصلت للحكم في سبتمبر الماضي، فلم يسبق خلال السنوات الأربعين الماضية أن كانت أستراليا بدون وزير للسياحة كما هي الآن. ويقولون كذلك إنها خفضت من الدعم الفني والإداري للقطاع. ولا يتفقون معها في تفضيل السياح الأجانب على سياح الداخل، وكان انتقادهم لاذعاً وعلنياً خلال مؤتمر سياحي عقد في مدينة سيدني الأسبوع الماضي.
تتبنى الحكومة الأسترالية سياسة جديدة للترويج السياحي، بالتركيز على اجتذاب السياح الأغنياء. ففي يوم الجمعة 8 أغسطس خاطب المدير التنفيذي لهيئة السياحة جون سوليفان مؤتمراً لقطاع الطيران قائلاً: أستراليا مقصد سياحي للقادرين مالياً. صحيح أننا الدولة الـ43 في عدد السياح، ولكننا الدولة الأولى في إنفاق السياح. وهذا هو سبب تبنينا لتلك السياسة. وقال رئيس مجلس إدارة الهيئة جيف ديكسون: إن أستراليا تقدم الكثير ولكنها ترغب في جذب السياح الموسرين، مع أنه اعترف بوجود نقص في الغرف الفندقية الملائمة.
ولكن هذه الطموحات صعبة التحقيق، فلن تصبح أستراليا قريباً في مقدمة خيارات السياح، بصرف النظر عن قدراتهم المالية. صحيح ما يقوله المسؤولون بأن أستراليا عالية التكلفة كوجهة سياحية، أكثر من أوروبا أو أميركا، مثلاً، ولكن مستوى الخدمات التي يتلقاها السائح لا تتناسب مع هذه التكلفة.
فالفنادق الأسترالية، بصرف النظر عن عدد نجومها، تعتمد فيما يبدو على التقييم والانضباط الذاتيين، أي دون رقابة حكومية فعالة، ولذلك فإن مستوياتها تختلف من منطقة لأخرى، بل داخل المدينة الواحدة.
وهناك تحد آخر يتمثل في حجم أستراليا نفسها، التي تبلغ مساحتها (7.7) ملايين كيلومتر مربع (ثلاثة أضعاف شبه الجزيرة العربية)، ويبلغ أقصى عرض لها (4) آلاف كيلومتر من الشرق إلى الغرب، و(3700) كيلومتر من الشمال إلى الجنوب. وتبلغ المسافات بين المدن بآلاف الكيلومترات، فالمسافة بين سيدني في الشرق و(بيرث) في الغرب تتجاوز (3) آلاف كيلومتر، وبين بيريث و(كيرنز) تتجاوز (5) آلاف كيلومتر، وهكذا. ولذلك فإن السفر بالسيارة ليس خياراً عملياً.
فالطيران هو الخيار الأنسب، أو هكذا تتوقع، إلى أن تكتشف تحديات الطيران، حيث تحتكر السوق شركة الطيران (كوانتاس) التي تسيطر على (70) بالمئة من السوق الداخلية بحكم شبكتها الواسعة.
ولكن شركة كوانتاس، كما ستكشف، لم تعد كما كانت. فبسبب الخسائر المالية المتواصلة، فقدت قدرتها على التنافس وتقديم خدمات معقولة للمسافرين.
تأسست كوانتاس عام 1920، ولذلك تُعدّ إحدى أقدم الخطوط في العالم، ولذلك تظهر عليها مظاهر الشيخوخة. تم تخصيصها في عام 1995، ولكن ثقافتها المؤسسية لا زالت ثقافة مؤسسة حكومية، بيروقراطية وغير فاعلة، وكانت معظم الرحلات التي أخذتها خلال زيارتي متأخرة، ولم يتمكن العاملون في الشركة من التعامل مع الركاب الذين أُلغيت رحلاتهم، وفي بعض المطارات (مثل أليس سبرنجز)، لم يكن هناك من يستطيع إصدار تذكرة إلى نيوزيلندا، باعتبارها وجهة دولية، وصعوبة الاعتماد على هذه الخطوط عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار. فحصولك على تأكيد للحجز، أو بطاقة صعود الطائرة لا يعنيان شيئاً، فقد تصل للمطار لتجد أن كرسيك قد مُنح لراكب آخر، وفي هذا الفصل من السنة (الشتاء في أستراليا) ستجد الكثيرين ممن تقطعت بهم السببل وعجزت الخطوط عن تدبير مقاعد لهم بديلة. ومن تجربتنا ظهر بعض موظفي الشركة والمشرفين عليهم غير قادرين على التعامل مع هذه الإشكالات.
تبدو أستراليا مصممة على جذب السياح الميسورين، كما تقول، ولكنها لكي تتمكن من جذب أي سائح، لذا يجب أن تعيد النظر في مستوى الخدمات التي تقدمها فنادقها، والخدمات التي تقدمها شركات الطيران، خاصة ناقلها الوطني.