لا تخلو أي قائمة لأمنيات المواطن العربي من خدمات صحية جيدة، فهو يعتقد إن لم تتمكن الدولة من خدمته وهو صحيح معافى فلا أقل من أن تتكفل برعايته وهو غير قادر على الكسب والحركة. فما يغفره المواطن عربي لأي تقصير من دولته العربية في صحته لا يتقبله في حال ضعفه ومرضه.
ويسأل المواطن في دولنا أين أموال الدولة التي يعلن عن إنفاقها على الصحة؟ وكيف لم توفر له خدمات قريبة وكاملة وسريعة؟ ويسأل المواطن عربي في دولنا الأقل إمكانيات أين الاهتمام بمرضانا؟
ولا تكاد تجد المواطن عربي قادرا أو غير قادر، راضيا عن الخدمات الطبية المقدمة في أي قطاع حكومي أو خاص، فدائما سقف التوقعات في ارتفاع ومستوى الخدمات في معركة شبه خاسرة دائما معها.
الغريب أن الطرف الآخر من المعادلة يشارك المواطن في المعاناة والإحباط بشكل ما! فالوزير عربي منذ أن يتولى الوزارة وحتى يتركها وهو ممزق بين بناء المشاريع وإدارة تقديم الخدمات مباشرة أو شراء الخدمات من مقدمي الخدمة والتشريع والتنظيم والمراقبة، وطبعا عندما يظهر وباء أو مرض معدٍ فهو حديث الصحافة والعناوين الرئيسة. لا يرضى عنه المواطن عربي ولا الطبيب عربي ولا المستثمر عربي، وهو بينه وبين نفسه تتنازعه رغبة في البقاء في المركز المرموق ولكن يحن إلى أيام كان فقط الطبيب عربي وليس الوزير. ولكن هل الأطباء راضون؟
بعد سنوات تصل إلى عقد ونصف من الدراسة والتدريب والجهد والعناء يبدأ الطبيب مشواره المهني متأخرا بسنوات طويلة عن أقرانه في المهن الأخرى، ويشعر أن عليه أن يعوض الدخل والنجاح المهني بسرعة وأن ينال ما يستحق من تقدير تأخر في الحصول عليه سنوات من العمل الجاد والتدريب القاصي. وهنا يصطدم ببيروقراطية العمل الحكومي أو جشع المستثمر عربي الذي يتكسب من آلام الناس واستغلال الأطباء المجتهدين مثله.
وأخيرا وجدنا الرابح الأكبر من القطاع الصحي، المستثمر الصحي الذي يستفيد من كل ذلك! ولكن هل لديه ما يقول قبل النطق بالحكم؟ فلنرى: في علم الاستثمار يكون العائد على الاستثمار معاملا لهامش الربحية ودورة رأس المال والمخاطر المتوقعة. ولكي نفهم مشاكل المستثمر لابد أن نصف الفرصة البديلة لأمواله والعائد عليها في القطاع الصحي. بدايةً القطاع الصحي يحتاج إلى رأس مال وحجم معرفي إداري وحجم أكبر من الموارد البشرية، ويحتاج إلى مدة طويلة لينال ثقة المريض أو العميل ويعمل بهامش ربح قليل نظرا لارتفاع التكلفة في هذا النشاط. أما المخاطر فهي عالية جدا، لأن بناء الثقة في حياة الناس أمر صعب وفقدانها يمكن أن يحدث بسبب حالة واحدة فقط. وفي النهاية إن أحسنت فستتهم بالربح المبالغ فيه، وإن أخفقت فستحط عليك اللعنات. هذه الخلطة الاستثمارية تجعلها غير مغرية تماما وتجعل الاستثمار في المطاعم والعقار أسهل وأربح وأسرع وأقل هماً وغماً.
ما موضوع هذا القطاع الذي لا يوجد فيه أي طرف سعيد أو راض عن دوره في المنظومة أو ما يحصل عليه منها؟ هل هو قطاع حُكم عليه بالفشل لجميع المتعاملين معه؟ أم أن هناك وسيلة لجعله أكثر نجاحا وأفضل عائداً لجميع الأطراف؟ هل يمكن أن يرضى المريض والوزير والطبيب والمستثمر؟ هل يمكن أن نصل إلى نجاح في مجال كان للمسلمين الأوائل الفضل في إبداعه؟ هل يمكن أن نحل المعضلة التي حارت فيها كثير من دول العالم الأول؟
سأحاول أن أقرب وجهات النظر بين حضرة المريض عربي ومعالي الوزير عربي وفخامة الطبيب عربي والمستثمر الجريء عربي وأن نعيد النظر معا في المنظومة التي نريد أن تسعدنا وترضينا جميعا.