أصيبت إسرائيل بخيبة أمل كبيرة. وأيقنت أنها هي الخاسرة من السلام، بينما العرب هم الرابحون. ولعل هذا كان من الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى رفض مبادرة السلام العربية، التي تقدمت بها السعودية
في مناسبة عودة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات في واشنطن، ثم انتقالهم إلى شرم الشيخ والقدس، وفي مناسبة انشغال العالم من جديد في البحث عن حل لقضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي القائم منذ أكثر من ستين عاماً، خصّصت مجلة تايم الأمريكية عددها الأخير (13/ 9/ 2010 ) للحديث عن السلام في الشرق الأوسط، وكان غلافها يتساءل السؤال المثير التالي: لماذا لا تكترث إسرائيل للسلام؟
وكلّفت التايم واحداً من كبار محرريها وهو كارل فيك Vick بكتابة تحقيق صحافي حول هذا الموضوع، الذي فجّر فيه قنبلة صحافية مفادها، أن إسرائيل تكترث بالسلام، ولكنها لا تؤمن به الآن، مما أثار حفيظة بعض المسؤولين الرسميين الإسرائيليين الذين ردّوا على تساؤل مجلة: التايم بسؤال آخر، يقول: لماذا لا تتوخى التايم الموضوعية؟
وهو سؤال إيفي دافيز في الجورنال اليهودي Jewish Journal 13/9/2010، الذي أضاف، بأن السلام كهدف إسرائيلي، لم يكن مهملاً في يوم من الأيام. وأردف دافيز بقوله: كيف يكون السلام مهملاً، وما من عائلة إسرائيلية إلا ومنها قتيل أو مشوّه في الحروب الثماني السابقة، التي خاضتها إسرائيل مع العرب؟ ومَنْ الأمُّ الإسرائيلية التي لا تريد لأبنائها أن ينتهي هذا الصراع الأبدي، لكي تنعم في السلام؟
ويأتي كارل فيك في التايم ليتساءل من جديد، قائلاً: كيف لا تفقد إسرائيل الثقة بالسلام العربي، بعد 17 عاماً (ويقصد هنا بعد اتفاقية أوسلو، 1993) من محاولات السلام الفاشلة مع الفلسطينيين؟
دلائل عدم اكتراث إسرائيل بالسلام
لقد أجرى الصحافي فيك، عدة لقاءات ـ كما يقول في تحقيقه الصحافي ـ مع عدة رجال أعمال ومستثمرين، قالوا له ما معناه: إن السلام الآن لم يعد ضرورياً لهم، لأنهم يمارسون أعمالهم على أكمل وجه في ظل الهدوء والاستقرار الأمني الإسرائيلي، بعد أن توقفت الهجمات الانتحارية الفلسطينية من الجماعات الدينية المسلحة. ومن هنا كانت حجة إيفي دايفز، أن كارل فيك (محرر التايم) قد اعتمد على هذه الأقوال المجانية، دون قراءة التاريخ السياسي للصراع العربي الإسرائيلي، ودون دراية بـالخوف العربي من السلام العربي ـ الإسرائيلي.
ولعل ما أثار حفيظة اليمين الإسرائيلي من التحقيق الصحافي، الذي نشرته التايم قول المجلة: إن 95% من اليهود الإسرائيليين سعداء، ويشعرون بالأمن والاستقرار، ويديرون أعمالهم بنجاح كبير، وينعمون بالسلام حسب استطلاع لآراء الناس بالسلام جرى عام 2007. وأن آراء المستَطلَعين من اليهود، قالت بأنهم ليسوا بحاجة إلى سلام الفلسطينيين الآن، ما دام ليست هناك هجمات انتحارية من قبل الجماعات الدينية/السياسية الفلسطينية المتشدّدة. وأن 8% فقط من الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل لا يشعرون بالأمن والاستقرار، نتيجة للفقر، وتدني مستوى التعليم.
هل هذا هو السلام الدائم والعادل؟
ولكن هل يكفي كل هذا لكي يعُمّ السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ومن ثم السلام العربي ـ الإسرائيلي طبقاً لذلك، كما جرى بعد اتفاقية أوسلو 1993، فقام الأردن من جهته ووقع اتفاقية السلام (اتفاقية وادي عربة) مع إسرائيل أيضاً عام 1994؟
وهنا يبرز السؤال الرئيسي التالي:
لماذا لم تكن معاهدتا السلام المصرية ـ الإسرائيلية (كامب ديفيد 1979) والسلام الأردنية – الإسرائيلية (وادي عربة 1994) دافعتين للسلام مع بقية العرب وخاصة سوريا ولبنان، اللتين تعتبران جارتي إسرائيل القريبتين، واللتين بحاجة ماسة إلى السلام، والذي بدونه تتعرضان لمشاكل سياسية واقتصادية خطيرة؟
لماذا كان السلام الجزئي مع العرب فاشلاً؟
والإجابة عن هذا السؤال، تتلخص فيما يلي:
1- لقد كانت معاهدتا السلام تلك بمثابة بالون اختبار للعرب ولإسرائيل على حد سواء. وكانتا اختباراً لنوايا كل من العرب وإسرائيل، ولقياس ردود الفعل العربية والإسرائيلية في الوقت ذاته، قبل أن تتخذ إسرائيل أو العرب الآخرون، أية خطوة سلام جديدة، خاصة أن سوريا كانت هي المرشحة الثالثة للسلام العربي ـ الإسرائيلي، تتبعها لبنان، التابع الأبدي دائماً لسوريا، خاصة فيما يتعلق بالسياسة والشؤون الخارجية. فلبنان لا يقول: نعم أو لا، في المحافل الإقليمية أو الدولية، إلا بعد أن يسمعها واضحة صريحة وعالية من سوريا. فذلك هو قدره منذ 1920 إلى اليوم.
2- لا شك أن السياسيين الإسرائيليين من أصحاب اليمين واليسار، انتابتهم خيبة أمل كبيرة بعد اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن. فقد تنازلت إسرائيل عن أراضٍ مصرية في سيناء، وطابا، وغيرهما. وهي أراض ثمينة ومقدسة مقابل السلام المصري، الذي انكمش وتقلّص، ليستقر على سفارة في العمارة، لسجن السفير الإسرائيلي وأعضاء السفارة فيها، دون أن يتمكن أحدٌ من طاقم السفارة من التجوال، أو التحدث، أو الاجتماع، مع أحد من المثقفين المصريين، حتى لو كان كاتب قصة قصيرة من الدرجة العاشرة، أو الحضور، أو المشاركة في أية فاعلية ثقافية، أو اقتصادية، أو سياسية. كذلك كان حال السفارة الإسرائيلية في عمان. فأصيبت إسرائيل بخيبة أمل كبيرة. وأيقنت أنها هي الخاسرة من السلام، بينما العرب هم الرابحون. ولعل هذا كان من الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى رفض مبادرة السلام العربية، التي تقدمت بها السعودية في مؤتمر قمة بيروت 2002.
3- لقد تنبهت إسرائيل ـ ربما بعد العام 1994 ـ أن السلام والتطبيع، يجب ألا يتمّان فقط بين الحكومات والدول، ولكن يجب أن يتمّا بين الشعوب أيضاً، وهم الأهم. ويجب تحضير الشعوب لمثل هذه الخطوات فهم المفتاح للسلام الحقيقي والدائم، وليس الزعماء فقط. وأيقنت إسرائيل بأن الشعوب العربية لن تسالم إسرائيل، ما لم يتم إنصاف الفلسطينيين، وإعطاؤهم حقهم في أرضهم، وإقامة دولتهم. وهذا عزيز على إسرائيل. ومن هنا كانت إسرائيل تهرب دائماً من هذا السلام المُكْلِف!