معظم القنوات لم تُؤسس على مبدأ المنفعة أو تقديم الخدمة الإعلامية للمشاهد لكنها أنشئت على أساس جلب المال بطرق خالية من الذوق أو المتعة أو الأخلاق

للأسف الشديد، يُصدم المشاهد العربي حين يحأول أن يقضي بعض الوقت أمام التلفاز، ويشاهد بعضا من تلك البرامج الترفيهية أو التعليمية أو حتى الرياضية أو ما يمكن بأن يُشاهد للمحاولة بالخروج بشيء نافع مفيد، أو حتى مسلٍّ بمستوى مقبول، يُصدم بما يجد في ذلك الكم الهائل من القنوات الفضائية من هراء ولغو وتفاهات وعبث بعقول المشاهدين، وخروج عن كل قواعد الأدب والاحترام لعقلية المشاهدين دون حسيب أو رقيب.
قد نستثني من تلك البرامج القليل جدا مما هو جيد لكن الغالب الأعم ضرره أكثر من نفعه.
ما ذنب المشاهد؟
معظم القنوات لم تُؤسس على مبدأ المنفعة أو تقديم الخدمة الإعلامية للمشاهد لكنها أنشئت على أساس جلب المال بطرق خالية من الذوق أو المتعة أو قل في بعض الأحيان الأخلاق. ولأنه لا يمكن التحكّم في عصر الانفتاح الإعلامي، فإن أخلاق الشباب ومثلهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، وفي كثير من الأحيان دينهم، وفي كل الأحيان جيوبهم في خطر.
على شاشات تلك القنوات التلفزيونية تنتظرك دائما العديد من الأرقام الهاتفية، كلها تدعوك للاتصال والإجابة عن سؤال بسيط لتحقق حلمك في الثراء واقتناص فرصة العمر. مشهد بات مألوفا.
بعض تلك القنوات التي ينتظر منها تحقيق العمق المعرفي والمتعة انزلق في هذه النمطية وضحكت عليه بعض الشركات التي قدمت له بعض المال لقاء شراء بعض البرامج وإحداث بعض البرامج بالمقابل التي لا هدف لها، نعم لا هدف لها إلا استحلاب جيوب المشاهدين المساكين.
يُفترض في الإعلام المرئي المحترم الحرص على المشاهد فكراً واستمتاعاً، والابتعاد عن التساوي والمقارنة وتقليد تلك القنوات التي لا هدف لها سوى ابتزاز المشاهد وطرح برامج مسابقات سخيفة لا نفع فيها. يُفترض في الإعلام المرئي المحترم عدم الانجراف إلى إغراء الشركات التي قدمت له المبالغ نظير تلك البرامج. إنها دعوة للقائمين على مثل هذا الإعلام الرخيص للحفاظ على صورتنا والحرص على أخلاق شبابنا.
يقول المنظرون الإعلاميون: إن علينا أن نكون واقعيين في النظرة إلى واقع الإعلام ونشوء البرامج وتطورها في العالم، لذا لا يمكننا أن نكون انتقائيين في موضوع العولمة، خصوصا أن الإعلام لم يعد يخضع كما السابق لمنظومة الشروط الأخلاقية والمهنية، وبرامج المسابقات هي جزء من هذه النظرية التي لا تخضع لمنطق المصداقية والعدالة بل ينطبق عليها مبدأ العرض والطلب، مما يقود إلى رفض تحميل كل المسؤولية على وسائل الإعلام التي تبث هذه البرامج.
هذا المبدأ الأعوج الذي تُقر فيه البرامج على معادلة العرض والطلب والذي أظن برامج الـ700 أُقرّت بموجبه لا يتفق مع الأهداف السامية لهذا النوع من الإعلام.
المتعة مطلوبة والفائدة مطلوبة وبث مسابقات ثقافية ترفيهية أو فكرية أو اجتماعية أو إنسانية ترتقي بالأخلاق والتعامل بديل مطلوب. القضية في رأيي هي مسألة مبدأ ومسألة مهنية ومسألة مصداقية.
إن المشاهـد العربي وكل أفراد عائلتـه يتمنّون البديل الرصين لأكثر من حوالي أربعين قناة عربية أُطلقت حصريا لمثل هذا النوع من المسابقات والتي وصفها أحد الإعلاميين بقوله: طفيليـات ضارة تعيش على حساب خبز الناس. وتعتمد على هذا النوع من برامج المسابقات الساقطة التافهة أسلوبا وشكلا وتقديما.
ويُظن أن بعض الاتصالات التي ترد لبرامج المسابقات في تلك القنوات يجريها أشخاص ينتمون للمحطة نفسها بهدف تحميس المشاهدين لزيادة كم الاتصالات الواردة.
ويُظن أيضاً أن المسابقات عبر شاشات القنوات التلفزيونية والفضائية ما هي إلا نوع جديد من اليانصيب تمثل نوعاً من التلاعب بعواطف المشاهدين لتحقيق المكسب السريع للقائمين على هذه القنوات، وأن التأثير المتعلق بهذه النوعية من البرامج يلحق بالفرد المتفاعل معها الذي اتخذ قرار المشاركة في هذه المسابقات، وأنفق جزءًا من حصيلته، سواء كانت كبيرة أو صغيرة في إجراء المكالمات التلفونية سعيا لاقتناص ضربة الحظ التي غالبا ما تنتهي بخيبة أمل دون اليأس من تكرار التجربة التي تتزايد بتزايد الدافع والرغبة في الفوز تحركها الإغراءات الضاغطة التي لا تترك له فرصة للتفكير بشكل عقلاني تلحق به ضرراً كبيراً.
وقد يقودنا الحديث هنا إلى السؤال عن دور جمعيات حماية المستهلك لتحد من التأثيرات السلبية لهذه المسابقات التي يجب أن تستحدث قوانين جدية تحمي المشاهد لتكون بمثابة حكم فاصل بين المستهلك أو المتسابق، والجهة القائمة على برامج المسابقات، خاصة أنه لا يمكن إنكار وجود حجم للأضرار برغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حولها.
إن مثل هذه المسابقات تهدف بشكل أساسي إلى استنزاف موارد المتسابقين من خلال استمرارهم في الاتصال أكبر فترة ممكنة عبر تسجيل مقدمة طويلة عن البرنامج وفرص الفوز به، والتي لا تقل عن دقيقتين في بعض البرامج. ويحمل أحد أساتذة الإعلام المشاهدَ نفسَه اللوم والذي لا بد أن يتحلى بالرشد في الاستهلاك، وتوجيه موارده لما يعود عليه بالنفع؛ أي أنّ المستهلك هو الذي يحمي نفسه من المسابقات.
إن من السهل استغلال الجمهور لهذا وجب أن نتقي الله فيه، ونسعى لسن قوانين تحميه من البرامج التي تستخدم أحدث تقنيات الاتصال للتغلل فيه وابتزازه. فلتبحث القنوات التلفزيونية عن طوق نجاة آخر كمصدر لتمويلها. هذه أمور مستجدة يجب الالتفات إليها واتخاذ العلاج المناسب بشأنها تلافياً لاستغلال المشاهد وسلب مصدر رزقه.