الرمز الشعري، مختلف عن الرمزية بوصفها مذهبا أدبيا، إذ يعرف في اللغة بأنه: الإشارة بالشفتين، أو العينين، أو الحاجبين، أو اليد، أو الفم، أو اللسان، وصفته العامة هي الخفاء، مما يعني أن فهمه يحتاج إلى شيء من التأمل والذكاء.
أما في الشعر والأدب، فهو كما يعرفه جبور عبدالنور: الإشارة بكلمة تدل على محسوس، أو غير محسوس، إلى معنى غير محدّد بدقة، ومختلف حسب خيال الأديب، وقد يتفاوت القرّاء في فهمه وإدراك مداه، بمقدار ثقافتهم ورهافة حسهم، فيتبين بعضهم جانباً منه، وآخرون جانبا ثانيا، أو قد يبرز للعيان فيهتدي إليه المثقف بيسر.
ومن الشّواهد الشعرية التي أدت الصورة فيها وظيفة الرمز، وجمعت في مصادر صورتها، بين: القرآن الكريم، والأسطورة، قصيدة عنوانها: وقفة مع شيطان الشعر، للشاعر إبراهيم طالع الألمعي، يصور فيها فئة ما، تدعي الأخلاق، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتكتب الشعر الحديث، لكنه لا يحدد هذه الفئة، وإنما يجعل أفرادها شياطين، ويبدو أن شياطين إبراهيم طالع، لم يكونوا من المصفدين في شهر رمضان، بل ازدادوا شيطنة وغواية، متوهمين أن الناس يجهلون صفة الأفعال الشيطانية. يقول الألمعي:
شياطيننا
لم يعد طلْعُها
غريباً علينا
رؤوسُ الشياطينِ أضحت لنا موردا
تعارض عنا
وتحمي حقوق البشرْ
وتغـزل فينا من الشعر بيتاً
حديثَ العروض…
طليقاً من القافيهْ
فإبراهيم طالع يستمد الصورة من قوله تعالى عن شجرة الزقوم: ?طلعها كأنه رؤوس الشياطين?، وهو تشبيه عقلي أفاض البلاغيون القدماء في الكلام حوله، وحول جريانه على كلام العرب وفيه، كما يستمد من الأسطورة القائلة بأن لكل شاعر شيطانا، ليحيل إلى شياطين جدد، لهم مهام جديدة، فهم يتكلمون باسم الناس، ويدعون حماية الحقوق، ويقولون الشعر الحديث، بمعنى أنهم - في الظاهر - منشغلون بالشأن العام، بينما هم - في حقيقتهم - منشغلون بمصالحهم الذاتية، وغواياتهم، وأهدافهم الشبيهة بـالوسوسة في خفائها.
وربما كان قولهم الشعر كناية عن الكلام المنمق، والادعاءات الكاذبة، بينما هم في حقيقتهم شياطين، يعرف ذلك عنهم من يعرف تاريخهم، ويدرك أسرار أساليبهم، مما يحيل أذهان المتلقين على أكثر من فئة، لتعدد الاحتمالات، وتصبح الصورة موحية بهذا التعدد، إذ ترمز إلى أولئك دون أن تحددهم، متكئة على مكونات الصورة القرآنية ألفاظا وإيحاءات وتشكيلا، فنتاج أولئك يقابل طلعهم، ونتاج فكرهم يقابل محتوى رؤوس الشياطين التي باتت مورد الأفكار، في زمن ساد فيه من يخدع الناس خداعا شيطانيا، مداره الخبث والدهاء والإغواء.
وفي عدم التصريح بأولئك هروب من الأذى الذي يمكن أن يلقاه الشاعر منهم، أو من تابعيهم؛ ولذا كان الرمز ملجأه، والطريق الأكثر سلاماً وسلامة إلى التعبير، فضلا عن كونه مخرجا من المباشرة التي يمكن أن يقع فيها شاعر يصور موضوعا ذا علاقة بالعقل والفكر والأخلاق والمبادئ والمواقف.