أقترح على 'نزاهة' أن تضع مقدمة لتوضيح دور المراجعة الداخلية في مجال مكافحة الفساد والإصلاح الإداري في موقع الاستفتاء، بالإضافة إلى عمل حملة إعلانية مناسبة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ويكون من الأفضل أن يتحول هذا الاستفتاء إلى استبيان إلكتروني
تجري الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نزاهة على موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، استفتاء حول فاعلية إدارات المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية، وحتى كتابة هذه السطور فإن نتائج الاستفتاء الحالية تشير إلى أن ما نسبته (78%) من المشاركين ترى أن المراجعة الداخلية لم تقم بدورها المطلوب، وما نسبته (10%) ترى عكس ذلك.
ورغم أهمية هذا الاستفتاء في تفعيل وحدات المراجعة الداخلية، إلا أن عدد المشاركين فيه قليل جداً، إذ يبلغ عددهم حوالى (164) شخصاً فقط، ولا أريد في الحقيقة الاستعجال في الحكم على ضعف المشاركة في الوقت الحالي، ولكن أستطيع القول إن هناك قصوراً في وعي المجتمع عامة والعاملين في الجهات الحكومية خاصة بدور وأهمية المراجعة الداخلية في الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، وليس هذا فحسب، بل وفي الجهات الرقابية نفسها أيضاً! فحتى الآن هناك من يعتقد أن دور المراجعة الداخلية قاصر على التدقيق المستندي للحسابات المالية فقط، بالإضافة إلى تصيد الأخطاء، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإن سؤال الاستفتاء غير واضح، فالقارئ للوهلة الأولى لهذا السؤال يعتقد بأن المقصود بدور إدارات المراجعة الداخلية هو إنشاء هذه الإدارات أو البدء في ممارسة أنشطتها وأعمالها في الجهات الحكومية، ولهذا فإنني أتساءل: هل المقصود بدور المراجعة الداخلية في سؤال الاستفتاء هو في مجال الإصلاح الإداري ومكافحة الغش والفساد؟ وبالتالي تقليص حجم الفساد في الجهات الحكومية؟
لا شك لدي بأن نزاهة تدرك أهمية المراجعة الداخلية ودورها القوي في مكافحة الفساد، وعلى رأسها معالي الأستاذ/ محمد الشريف، فقد صرح في الندوة التي أقامتها نزاهة بعنوان دور المراجعة الداخلية في حماية النزاهة ومكافحة الفساد بأن تنفيذ المهام والاختصاصات المناطة بإدارات المراجعة الداخلية يعد عاملاً مهماً في تنفيذ الالتزامات الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد الهادفة إلى حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه.
وبناء على ما سبق، فإن الكثير من الموظفين والمسؤولين في الجهات الحكومية ليس لديهم تصور واضح عن كيفية قيام إدارات المراجعة الداخلية بدورها في مجال مكافحة الفساد والإصلاح الإداري، ولا عن آلياتها الرقابية، فمفاهيم ومصطلحات المراجعة الداخلية حديثة وغريبة في بيئة العمل الحكومي، مثل أنظمة الرقابة الداخلية، وتقييم المخاطر، والبيئة الرقابية، ورقابة الأداء.. إلخ، لذا أرى من المناسب هنا إعطاء لمحة مختصرة عن دور المراجعة الداخلية في مجال الإصلاح الإداري.
فمفهوم الإصلاح الإداري يعتبر فكرة نسبية زماناً ومكاناً، ولا يوجد تعريف جامع مانع يمكن صياغته في عبارات محددة، فالمفهوم يختلف من مدرسة فكرية إلى أخرى في علم الإدارة بحسب الأهداف والإشكاليات الموجودة في المنظمات.
وبالرغم من اختلاف المفاهيم، إلا أن هناك أهدافاً مشتركة ومتعارف عليها لعملية الإصلاح الإداري تتمثل في تحسين مستوى الخدمات الحكومية، والاستغلال الأمثل للموارد وترشيد الإنفاق الحكومي، وزيادة الكفاءة والفعالية إلى أقصى درجة ممكنة في الأنشطة والبرامج الحكومية.
والأهداف السابقة في الحقيقة هي نفسها أهداف المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية، حيث نصت المادة الثانية من اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية على أن تتولى الوحدة أعمال المراجعة الداخلية بها عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة لها.. وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
- ضمان فاعلية العمليات الإدارية والمالية وكفايتها بما يؤدي إلى الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
- تحقيق التقيد بالأنظمة والتعليمات والسياسات والخطط الملزمة للجهة لتحقيق أهدافها بكفاية وبطريقة منتظمة.
ومن المهام والاختصاصات الرئيسية لوحدات المراجعة الداخلية، تقييم أنظمة الرقابة الداخلية، والتي يدخل ضمن إطار أعمالها تقييم الوظائف الإدارية المتعارف عليها وهي التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والرقابة.
وبالنسبة للوظائف الإدارية السابقة، فإن الواقع يشير إلى وجود إشكاليات وتحديات ونقاط ضعف واضحة في بعض الجهات الحكومية، ومن ذلك على سبيل المثال: ضعف التخطيط، حيث يلاحظ عدم وضوح الأهداف والرؤية الاستراتيجية لدى مديري الإدارات والقائمين عليها، وبالتالي العجز في إقحام أهداف خطط التنمية وسياساتها في أعمالهم الإدارية وشرحها للموظفين، بالإضافة إلى أن متخذي القرار في بعض الجهات خاصة من ذوي النفوذ يقاومون الخطط أشد المقاومة، وذلك بما يجعلهم في منأى عن المسؤوليات والمحاسبة، كما يسهل لهم في الوقت نفسه فرص طرح خططهم وأولوياتهم التي قد تخدم مصالحهم الشخصية.
أما بالنسبة للتنظيم، فإن الخرائط التنظيمية مجرد صورة معلقة في مكاتب بعض الجهات، والأدلة التنظيمية وكذلك أدلة إجراءات العمل مجرد كتيبات محفوظة في الدواليب وأدراج المكاتب، فلا وضوح للسلطات والمسؤوليات، ولا للمهام والاختصاصات!
أما بخصوص التدريب، فلا يوجد في بعض الجهات خطة تدريبية واضحة تتضمن تقديراً للاحتياجات التدريبية، ولا مخصصات مالية كافية، بالإضافة إلى عدم قياس الأثر التدريبي، وفيما يتعلق بالرقابة والمتابعة، فالغالب يتم التركيز على الموظفين والإجراءات ويتم تجاهل الأهداف والنتائج، الأمر الذي أدى إلى وجود خدمات سيئة ومشاريع متعثرة.
هذا باختصار شديد لواقع الإدارة في بعض الجهات الحكومية، ووحدات المراجعة الداخلية يتمثل دورها في تقييم الوظائف الإدارية، وتحديد نقاط الضعف فيها واكتشاف الانحرافات إن وجدت وتقدير مخاطرها، واقتراح التوصيات التي تعالج هذه الإشكاليات ورفعها إلى الوزير أو رئيس الدائرة الحكومية المستقلة.
وتأسيساً على ما تقدم، فإني أقترح على نزاهة، أن تضع مقدمة لتوضيح دور المراجعة الداخلية في مجال مكافحة الفساد والإصلاح الإداري في موقع الاستفتاء، بالإضافة إلى عمل حملة إعلانية مناسبة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ويكون من الأفضل أن يتحول هذا الاستفتاء إلى استبيان إلكتروني كما في الصحف مصمم بشكل كاف ويحتوي على أسئلة متعددة مع نشر النتائج للجمهور، وكبداية أنصح القارئ الكريم بالمشاركة والتصويت في الاستفتاء الحالي في موقع نزاهة على شبكة الإنترنت.