العمود الفقري للعمليات الإرهابية هو تلك الأموال التي تحصل عليها المنظمات الإرهابية (بوسائل مشروعة) يتم تمريرها عبر المجتمعات بواسطة البعد الديني العاطفي
لستُ متخصصاً في علم الاقتصاد، ولكنني مهتم ـ منذ ما يقارب عشر سنوات ـ بـالإرهاب كقضية وطنية وعالمية ما زالت تؤرق العالم الذي ما زال يعيش تبعاتها وإفرازاتها الكبرى بمختلف جوانبها: الأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وبما أننا نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية التاسعة لأحداث 11 سبتمبر، فأظن أنه من المناسب إلقاء الضوء على موضوع غير مطروح كثيرا، وهو أثر الإرهاب على الاقتصاد؛ ولذلك سوف أستعرض هنا بعض ما جاء في ورقة عمل مهمة بعنوان عمليات الإرهاب كمؤثر على الاقتصادات المحلية والدولية، تقدّم بها الزميل الدكتور علي الخشيبان لندوة أثر الأعمال الإرهابية على السياحة المقامة في دمشق خلال الفترة 4-6 يوليو 2010.
وقد بدأ الدكتور الخشيبان ورقته بداية منهجية، معتمداً على مصادر بحثية، فحاول تحديد مفهوم الإرهاب الذي أصبح الأكثر شيوعاً بعد حادثة سبتمبر، مؤكداً أن الاتفاق على المصطلح ليس اتفاقا على المدلول لذلك فإن مدلول الإرهاب فضفاض يمكن استخدامه بحسب الأهداف. وعلى الرغم من التعريفات المختلفة التي ساقها الباحث إلا أنه لم يستطع الوصول إلى منطقة واضحة ومضيئة لهذا المصطلح، فهو يرى أن معالجاتنا للإرهاب في جوانبه الفكرية لم تصل بعد إلى تلك الأرض الصلبة التي بنى عليها صناع الإرهاب أيديولوجياتهم، لذلك فنحن لم نصل بعد إلى قراءة حقيقية وموضوعية لهذه الظاهرة، وهذا ما جعل الإرهاب مصطلحا تتعدد تعريفاته وتتنوع طرق فهمه بيننا.
ويؤكد الباحث ما التزمه كثير من المفكرين والمحللين بأن الأزمة الحقيقية تقوم أساساً على البحث عن تفسيرات دينية تجيز ممارسة الإرهاب بشتى أنواعه فكانت قضية انفراط العقد في التراث الإسلامي على أرض التفسيرات، وبالتالي مال الخطاب الإسلامي المعاصر نحو العنف واستخدام الإرهاب للتعبير عن قوة محتملة لمحاربة غير المسلمين وفرض الإسلام عليهم أو ترويضهم لقبول الشروط التاريخية في الإسلام (الجزية أو الإسلام أو الحرب)، وهو يرى أن الاستناد على آيات قرآنية وأحاديث نبوية تبرر العنف سمة تراكمت في التراث الإسلامي، مما جعلها منهجاً متعارفاً عليه فكل من لديه الرغبة في تمرير مشروعاته سواء السياسية أو الاجتماعية يستطيع أن يجد لها مبرراً قوياً عبر قراءة مختزلة للتراث الإسلامي أو مصادره الأساسية! وهذا الأمر الخطير (التأويل)، هو ما يعتقد الدكتور الخشيبان أنه وجّه الكثير من المسلمين البسطاء للتأييد أو المشاركة في تلك العمليات، على اعتبار أنها جهاد في سبيل الله وواجبة على كل مسلم، من تلك العمليات ما تم بين المسلمين أنفسهم وضد بعضهم البعض في أفغانستان والجزائر وغيرهما.
وعن الإرهاب والاقتصاد، يؤكد الباحث أن العمود الفقري للعمليات الإرهابية هو تلك الأموال التي تحصل عليها المنظمات الإرهابية (بوسائل مشروعة) قد يتم تمريرها عبر المجتمعات بواسطة البعد الديني العاطفي ومن ذلك: استثمار العمل الخيري الإسلامي، والصدقات، والزكاة، والدعم الحكومي للفقراء والمحتاجين. بالإضافة إلى الوسائل غير المشروعة التي أسهمت بتوفير الأموال الطائلة للمنظمات الإرهابية، كعمليات الخطف، وتهريب المهاجرين وتجارة المخدرات، ومبيعات الأسلحة الخفيفة. كما ساهم المنتمون إلى المنظمات الإرهابية في إقامة الدروس الدينية، وترتيب الاجتماعات الدعوية بهدف التمويل، ويشير إلى مثال على ذلك وهو قبض قوات الأمن السعودية على عنصر نسائي (هيلة القصيّر) التي قامت بجمع الأموال لصالح تنظيم القاعدة باستخدام أساليب دينية كالدعوة وجمع الصدقات والزكاة ونصرة المسلمين.
ويسهب الباحث في الإشارة إلى تفاصيل الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تسببها العمليات الإرهابية مقابل قلة التكلفة، فـالقاعدة مثلاً خسرت ما قيمته 500 ألف دولار لتمويل عملية الحادي عشر من سبتمبر، بينما خسرت أمريكا أكثر من 500 مليون دولار في تلك العملية، فتراجع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 0,4 % وزاد حجم البطالة بما يقارب 415 ألف عاطل. وتفاقمت الأزمة بعد أن أصبح هناك اقتصاد الحرب، ونتيجة لذلك خيّم الركود الاقتصادي على الدول الصناعية عموماً، حتى فيما يخص قطاع السياحة والطيران، فكان هذان القطاعان الأكثر تضرراً في المنطقة العربية حيث انخفض السفر جواً بنسبة 35% منذ 11 سبتمبر، وقامت عدة شركات طيران كبيرة بإلغاء بعض خطوط السير وتقليص عدد رحلاتها، وتشير التوقعات التي أوردها الباحث إلى أن الخسارة المتوقعة للقطاع السياحي هذا العام قد تزيد عن 10 مليارات دولار للمنطقة العربية، كما يخلص إلى أن من ضمن أهداف الإرهاب إدخال العالم في أزمات اقتصادية، ففي ديسمبر من العام 2004 أعلن قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ضرورة أن يصل سعر البرميل الواحد من البترول إلى مئة دولار في إشارة مباشرة نحو دفع العالم إلى أزمة اقتصادية جراء عمليات تنظيم القاعدة، وأثبتت دراسة في جامعة هارفارد أن الدول ذات المقومات الاقتصادية المميزة تكون عرضة للإرهاب أكثر من غيرها، كما يؤثر الإرهاب على الرخاء الاقتصادي بشكل مباشر. ونظراً لأن الولايات المتحدة قد قامت بإجراءات أمنية مشددة بعد أحداث سبتمبر فمن المتوقع أن تقدم الحكومة الأمريكية ما قيمته 1,08 تريليون دولار بنهاية العام 2010!. أما عن حالتنا المحلية، فقد بذلت الحكومة السعودية ملايين الريالات في سبيل تنفيذ برامج لمكافحة العمليات الإرهابية بالإضافة إلى برامج توجيهية لمتورطين في الإرهاب (من خلال برنامج المناصحة)؛ مؤكداً أن الدول التي تحارب الإرهاب هي في ذات الوقت تعاني من انتماء أبنائها إلى تلك المنظمات، ولذلك فهي تخسر اقتصادياً أكثر من غيرها من الدول التي تحارب الإرهاب في اتجاه واحد. وعن خطورة هذه العلاقة بين الإرهاب والاقتصاد يشير الدكتور علي الخشيبان ـ وفقاً لـنشرة صندوق النقد الدولي ـ إلى أنه بسبب زيادة نسبة القوى العاملة وتزايد أعداد العاطلين عن العمل، سوف تواجه الدول العربية والإسلامية إشكاليات اقتصادية ذات علاقة بإمكانية توسع عددي في المنتمين للقاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية، وبالتالي سوف يصبح المستقبل في هذه الدول محفوفاً بالمخاطر الاقتصادية الناتجة عن البطالة، وتنامي معدلات القوى العاملة وزيادة السكان، بالإضافة إلى تنام محتمل في الإرهاب والمنتمين إليه.