محمد خيري آل مرشد

د. محمد خيري آل مرشد

الاستثنائيون هم أولئك الذين يكتشفون مواهبهم ويدركون قدراتهم؛ فيفجرون طاقاتهم وقد يحرقون ذواتهم لتشع نورا تضيء دروب الآخرين، فعظمة الإنسان تقاس بعظمة وجميل ما يقدمه من خير للآخرين. إن اعتماد الرتابة السهلة والروتين المتكرر أسلوب حياة لا يقود إلى تخطي الصعاب التي هي جزء مهم من دروب الرقي للمعالي، ولو أن البعض في مثل هذه الأوضاع يحلم كثيرا؛ لكن الأحلام هذه لا تتحقق إلا بتحويلها إلى أهداف تتحقق في اليقظة وفي العمل الموجة الجاد والعطاء المستمر. ويمكن القول إن الفرق بين أولئك الاستثنائيين المميزين وأولئك الذين يغرقون في أحلامهم، إن لم نقل الفاشلون، هو أن الاستثنائيين اكتشفوا مواهبهم وفهموا وأدركوا قدراتهم وأحسنوا توظيف طاقاتهم وإمكاناتهم.
يمتلك الكثير منا ما يتميز به عن الآخرين لكن اكتشاف تلك المواهب وتنميتها هو مفتاح ما يجب العمل عليه، فإذا ما شئت أن تتميز فما عليك إلا إنارة زاوية الموهبة التي تمتلكها لاكتشافها وتنميتها في ظروف ملائمة لها، فالاستثنائيون يكونون تلك الظروف؛ ليشكلون منها ظروفا جديدة تتلاءم ومواهبهم وطموحاتهم وتطلعاتهم، فهناك يبذرون فيها بذورهم الصالحة وهم عادة ما يخترقون العادة، فلا يسلكون الطرق المزدحمة المعتادة، إنما يعبدون طرقهم الخاصة بهم والتي عادة ما يخاف أن يسلكها الآخرون، إنما يطوعون تلك الطرق ببذل الكثير من الجهد المعرفي المركز والمنسق ويسترخصون أغلى ما يملكون للوصول إلى الهدف.
للأمانة يجب الاعتراف بأنه لا بد من أن تتوافر ظروف أولية مبدئية أسميناها حاضنة الإبداع أو البيئة الفكرية سابقا، يستطيع أن ينطلق منها هؤلاء بالإضافة إلى الموهبة والذكاء والقدرات العقلية المميزة والملكات الفطرية التي يمتلكونها، والتي لها الدور الأهم في النجاح والإبداع، فلا يمكن أن يتحقق إبداع من بلاهة أو غباء، فالمرتكز الأول لأي إبداع استثنائي هو الموهبة الاستثنائية، فلا إبداع دون موهبة.
إذن لا بد من توافر حاضنة الإبداع الأولية التي تساعد على نمو بذرة الإبداع هذه، ومن تلك الظروف والبيئة المحيطة بالفرد وخاصة البيئة العلمية والثقافية والعائلية والاجتماعية والمؤسساتية والظروف الاقتصادية الداعمة المتاحة والسياسية، وأهمها حرية التفكير والتعبير والبحث العلمي، فإذا وجدت هذه البذرة والتربة الصالحة وتناولتها أشعة الشمس لتنعشها بنورها، ستنمو شجرة مميزة على رفيقاتها بارتفاع قامتها واستقامة عودها ونضارة جمالها، والأهم ستتميز بجميل عطائها..
تكمن في داخلك كمية هائلة من الطاقات والقدرات فاستجمع قواك وفجر طاقاتك، محولا إياها إلى حقائق عملية مفيدة وجميلة ترفعك إلى السماء.. إن النجاح والإبداع يصنع صنعا من مادة الفكر والمعرفة، فتكون قاطرته العمل المخلص والدؤوب، والعطاء المستمر غير المحدود، فإذا كانت لديك الموهبة وأردت أن تكون استثنائيا فما عليك إلا أن تبذل جهودا استثنائية؛ لتخلق مادة إبداعية استثنائية أيضا، فكن استثنائيا فلم يعد يتسع هذا العالم الواسع الشاسع للتكرار.
إن كل ما تستطيع تخيله تستطيع تحقيقه، وذلك بمقدار وضوح صورته في مخيلتك.. لا بد من القول أيضا إن الإبداع هو إبداع الفقراء لا وصول الأغنياء، فاجعل إبداعاتك فريدة فهي لا تشبه أي إبداع.