م. عبدالله سعد الغنام

هي منزوية حزينة، بعض أجزاها علاه التراب، فمنذ زمن لم يلامس أحد تلك الرفوف، بل منذ زمن لم يمش أحد في تلك الممرات، هي خاوية كأن لم تغن بالأمس، ذلك الأمس الذي كان لنا فيه دار تسمى بالحكمة يأتيها الزوار سياحة وعلمًا من كل أنحاء العالم، كانت لها يوما هيبة ورنة، يسمع بها القاصي والداني، وللأسف هكذا نحن دائما نقول كنا وكانوا!
وأما اليوم فقد أصبح روادها قليلا، بل إن البعض لا يعرف أين تقع المكتبة العامة في مدينته أو قريته، وربما هي في الحي الذي يعيش فيه، وربما هي جارته، فهل هناك اليوم من يسأل عن جاره؟، بل هل هناك اليوم من يعرف من هو جاره؟!.
ولكن في مقابل ذلك لو سألنا أين يقع المعلب الفلاني لقيل لنا عن مكانه، ووصف لنا بدقة شكله وأبعاده، ولو سألنا عن المطاعم والمتنزهات والشواطئ لعرفنا أماكنها لكثرة ما تطأها أقدامنا، وأما غذاء العقل - الذي تحتضنه المكتبة - فقد أصبح من الماضي، ولأننا لا نذكرها جعلنا لها يوما يذكرنا بها ألا وهو يوم العاشر من مارس، ذلك اليوم مر علينا بهدوء وسلام! ذلك اليوم يسمى باليوم العربي للمكتبة، أو تحتاج عقولنا من يذكرنا بالفكر والعلم والمعرفة، المكتبة هي بيت ذلك كله، بل فيها جمعت عقول كل البشر على اختلاف أطيافهم ومشاربهم ومعتقداتهم.
إن هناك قضايا لا بد من طرحها لتساعدنا على حل مشكلة العزوف عن المكتبات لنتمكن من أحيائها من جديد.
أولا: لقد تحول العالم إلى عالم رقمي في كل شيء حولنا وذلك عبر شاشات التلفاز أو الجوال أو الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية، ولذلك أصبح هناك أمر ملح أن توجد لدينا مكتبة عالمية رقمية، وتلك الفكرة يذكر أن منظمة اليونيسكو قد تبنتها رسميا عام 2006، ولذلك لا بد أن نفكر جيدا في تحويل جميع المكتبات العامة والخاصة إلى مكتبة تحمل شعار نمطين، النمط الورقي والرقمي لجذب السياح! أقصد الزوار إليها.
ثانيا: أقترح وضع مسابقة بين المكتبات على مستوى المملكة ثم العالم العربي للتنافس فيما بينها على جائزة أفضل مكتبة. وأن تكون الجوائز مبالغ محفزة كما نفعل مع جوائز الرياضيين والفنانين!.
ثالثا: أن نجعل زيارة المكتبة للأطفال والطلاب إلزامية ودورية، وأن تكون أيضا جزءا من المنهج العلمي في البحث من أجل التحفيز، ولطبع أهمية الكتاب في عقول النشء.
رابعا: على مستوى الأسر لا بد أن تكون في كل بيت مكتبة ولو مصغرة كل حسب قدرته واستطاعته، ولكن لا بد من وجودها في المنزل حتى يرها الغادي والرائح، لا بد أن تراها أعيننا صبحا ومساء، فنتكحل بالنظر إلى كتبها.
خامسا: كثرة وسائل الترفيه المرئية والمسموعة، ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية من تويتر، واتس أب، انستجرام، فيس بوك والقائمة تطول أثرت كل التأثير على زيارات المكتبات والنظر في الكتب، ولذلك لا بد من خلق شيء من التوازن لإعطاء كل شيء حقه.
سادسا: اهتمام الشباب بالجانب البدني أكثر من العقلي بسبب تلميع المشاهير على مختلف وسائل الإعلام للمظهر وإهمال الجانب الفكري والعلمي.
ولعل الأسباب كثيرة، ولكن لنعلم أننا لن نصل إلى مصاف الدول المتقدمة والعظمى إلا إذا اهتممنا بالمكتبة كاهتمامنا بالمعلب والمطعم ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة!!.